حتى لو اختلف الروس مع الإيرانيين في سورية، إرضاءً للإسرائيليين وطمأنة لهم، على اعتبار أنهم الحلفاء "الاستراتيجيون"، فإنه غير متوقع أن يقطعوا علاقاتهم بإيران، التي هي الحليف الذي بإمكانهم الاعتماد عليه، واستخدامه وتوظيفه ضد تصاعد الاهتمام الأميركي بهذه المنطقة، وخاصة في عهد الرئيس دونالد ترامب، الذي وضع حداً للسياسات المائعة في هذا المجال التي اتبعتها إدارة باراك أوباما السابقة.

وستقوم روسيا بعمليات "تجميلية" في سورية باستهدافات استعراضية في الجبهة الجنوبية المتاخمة لتواجد الإسرائيليين، في درعا والقنيطرة، لحزب الله اللبناني كما في منطقة القصير الأربعاء الماضي ولبعض "الميليشيات" التابعة لإيران، لكنها، أي روسيا، لن تتجاوز مجرد المناوشات الاستعراضية في هذا المجال، لأنها في حقيقة الأمر تريد أن يبقى الإيرانيون أقوياء في هذا البلد مادامت معركة التناحر بينهم وبين الأميركيين لم تحسم نهائياً في هذه المنطقة.

Ad

لا شك إطلاقاً في أن الروس سيختارون إسرائيل إذا تبين أنه لابد من الخيار بينها وبين إيران، إذ إن المعروف أن للإسرائيليين في روسيا قوة يهودية متنفذة وضاغطة، كان لها دور فعال في وصول فلاديمير بوتين إلى ما وصل إليه، وأن الرئيس الروسي مازال بحاجة إلى هذه القوة، مما يجعله مضطراً ومجبراً على مواصلة استرضاء بنيامين نتنياهو، وحتى وإن هو تجاوز الحدود المعقولة والمقبولة.

وهنا فإن المعروف أن الإيرانيين كنظام معروفون بأنهم مناورون بارعون، وأنهم في مثل هذه المواقف يلجأون إلى التصعيد إلى حد إشعار الطرف المقابل بأن عليه أن يستجيب لكل ما يريدونه، لكنهم عندما يفشلون في هذا يبدأون "العد التنازلي" للحصول حتى على أقل ما يمكن الحصول عليه.

وعليه، فإنه غير متوقع على الإطلاق أن يتخلى الروس عن تحالفهم مع إيران، أو أن يتخلى الإيرانيون عن تحالفهم مع روسيا، خصوصاً أن الأميركيين عادوا، كما هو واضح حتى الآن، إلى هذه المنطقة بكل هذه القوة، ولعل ما يعزز هذا ويؤكده أن هناك مؤشرات فعلية على أن صراع المعسكرات في هذا الكون عاد مرة أخرى، بعد أن ساد اعتقاد بعد انهيار الاتحاد السوفياتي بأنه غاب نهائياً وبلا عودة.