ينفّذ ترامب تهديداته بفرض رسوم جمركية على السلع الأجنبية باسم دعم الصناعة الأميركية بدءاً من رسوم بنسبة 25% على واردات الفولاذ و10% على واردات الألمنيوم، ونتيجة لذلك سيشعر الحلفاء والجيران، الذين مُنحوا إعفاءات مؤقتة، بوطأة هذه الرسوم الجمركية اليوم: تُعتبر كندا مصدر الولايات المتحدة الأبرز للفولاذ الأجنبي، إلا أن المكسيك والاتحاد الأوروبي سيعانيان أيضاً. يهددون جميعاً بالرد، وتصف الصحف هذا الوضع بالحرب التجارية.

ولكن إن كنا نشهد حرباً فستنتصر فيها الولايات المتحدة، إذ علينا ألا ننسى عندما نقرأ عن الرد أن للولايات المتحدة عجزاً في الميزان التجاري مع كل هذه الدول، فضلاً عن الصين بالتأكيد، التي لا تشكّل أحد مصادر الولايات المتحدة المهمة في مجال الفولاذ، إلا أن قطاع الفولاذ الصيني المدعوم من الدولة يُعتبر المسؤول عن خفض الأسعار عالمياً. بما أن الولايات المتحدة تشتري من هذه الدول مقداراً من السلع يفوق بكثير ما تشتريه هذه الدول منا، فلا شك أن خسارتها ستكون أكبر بكثير في حرب تتبع مبدأ "العين بالعين" بشأن الرسوم الجمركية. فكيف تستطيع الصين وكندا فرض رسوم جمركية على سلع أميركية لا تشتريانها؟ لا تستطيعان. أما ما تشتريانه، فقد لا يكون بسيطاً، إلا أنه يُعتبر غير ذي شأن مقابل ما تشتريه الولايات المتحدة منهما.

Ad

لا شك أن خطوة ترامب تشكّل سياسة ذكية، فقد أصبح رئيساً بعدما فاز بأصوات المجمع الانتخابي في ولايات "حزام الصدأ"، مثل بنسلفانيا، وأوهايو، وميشيغان. تشكّل هذه الولايات ساحة معركة حيث يحقق الجمهوريون النجاح عادةً في السباقات التشريعية وسباقات اختيار الحكام، إلا أنهم يخفقون في الانتخابات الرئاسية، لكن الحزب الجمهوري قادر على الفوز بها في الانتخابات الرئاسية أيضاً، كما برهن ترامب، ويكفي أن ينادي الحزب بمصالحها، وإذا نجح ترامب في إبقاء هذه الولايات في صفه خلال السنتين القادمتين، فمن المؤكد أنه سيفوز بسهولة بولاية جديدة في البيت الأبيض.

لكن النقاد يصرّون على أن الرسوم الجمركية ليست جيدة للاقتصاد الأميركي ككل، فماذا سيحل بالشركات الأميركية التي تعتمد على الفولاذ؟ سترتفع اليوم كلفتها، وإما تُمرَّر هذه الكلفة إلى المستهلك أو أن الزيادة ستكون أكبر مما يتحمله طلب المستهلك، مما يؤدي إلى تقلص الشركات وربما إقفالها، ويبدو أن هذا السيناريو حالك، ولكن عندما ترتفع الأسعار في ظل ظروف مختلفة، لا يواجه خبراء الاقتصاد صعوبة في توضيح أننا سنتوصل إلى سلع بديلة وأننا سنشهد عملية "تدمير بناء"، وهكذا تتمكن الشركات والأسعار خصوصاً والسوق عموماً من التكيف.

سيكون هدف الصين الطويل الأمد في كل هذا مألوفاً جداً لكل مَن درس تاريخ التجارة، والحرب، والاستعمار، حيث ترغب الصين في بناء قوتها الصناعية الخاصة وتقويض قوة الولايات المتحدة، خصمها الاستراتيجي الأول على الأمد الطويل. خلال الاستعمار تسعى الدولة المستعمِرة إلى تعزيز صناعتها في الوطن وحمايتها وإبقاء المستعمرات معتمدة عليها بحرمانها من التصنيع وحملها على استيراد السلع المنتهية بدل إنتاجها، حيث تكمن القوة في يد المصنّعين.

ولا تحتاج الصين إلى إشعال حرب مع الولايات المتحدة، فتستطيع قوة عظمى أن تحل محل قوة أخرى من خلال عملية تدريجية تقوم على التفوق الاقتصادي وخفض القدرة التصنيعية المتعمد، ليعتقد الأميركيون أن "اقتصادهم القائم على الخدمات" سيدعم نفسه، ولكن هذا غير صحيح: تكون الأمة التي تفتقر إلى قاعدة تصنيع قوية ضعيفة ضعف أمة تعجز عن تزويد شعبها بالقوت أو تأمين مواردها الطبيعية الحيوية.

ولكن يجب ألا يفقد مَن يخشون رسوم ترامب الجمركية الأمل، فالرئيس مفاوِض، كما برهن في دبلوماسيته المعقدة مع كيم جونغ أون.

تشكّل الرسوم الجمركية الكبيرة ورقة قوية في المفاوضات، فقد يتراجع ترامب عنها، إذا وافقت المكسيك مثلاً على دفع كلفة بناء الجدار عند الحدود الذي تعهد بتشييده أو إذا تعاونت كندا في عملية إعادة التفاوض بشأن اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية (نافتا)، لذلك من الأفضل للنقاد ألا يبددوا طاقتهم في الحديث عن كارثة تجارية وأن يخصصوا هذا الجهد بدلاً من ذلك لطرح طرق أخرى لإعادة إحياء الصناعة الأميركية.

* دانيال ماكارثي

*«سبيكاتور»