لم ينعم أهل غزة بيوم من الأمن والأمان طوال شهر رمضان في امتداد زمني لاستمرار ظلم الصهاينة على مدى سبعين عاماً، ولم ترحم آلة القتل والغدر الإسرائيلية الطفل الصغير والشيخ الكبير والمرأة العزلاء وهم صيام، ومع هذا يستمر الصمت العربي المريب إلا ما ندر في خذلان غير مسبوق ولا مقبول.

الطامة الكبرى لا تتمثل بالموقف السلبي لمعظم الأنظمة العربية بجيوشها الجرارة أو بأموالها الطائلة أو شبكة علاقاتها الدبلوماسية أو بقنواتها الإعلامية، فهذا أمر اعتدنا عليه منذ انتهاء حرب رمضان عام 1973 وقبول معاهدات الاستسلام.

Ad

لكن المخزي أن يسري الخذلان على النخب المثقفة والأحزاب السياسية وجمعيات النفع العام الأهلية، وخاصة ذات التوجهات الإسلامية، على الرغم من موقع القدس والقضية الفلسطينية في عقيدتنا الدينية كمسلمين، وقد بقيت بعض التيارات القومية والعلمانية وحيدة في هذا الخندق مع إمكاناتها المتواضعة والضغط السياسي والإرهاب الفكري الذي يحاصرهم من كل صوب.

قد لا يكون للحروب القومية والجيوش العربية، التي إما تتقاتل مع بعضها وإما تقاتل شعوبها، أي دور يرتجى في ترجمة شعارات تحرير القدس التي أكل عليها الدهر وشرب، ومن المؤكد ألا تكون بارقة أمل في الميليشيات والفصائل الدينية التي ظهرت كالسيل من عظم البلاد العربية والإسلامية رافعة راية الجهاد المقدس، فحاربت في البوسنة والصومال وأفغانستان والعراق ومصر وليبيا وسورية واليمن، وفجّرت في الكويت والسعودية والبحرين، بل ووصلت إلى عواصم أوروبا ونيويورك وموسكو والصين، لكن هذا الجهاد لم يهتد إلى الآن إلى قبلة المسلمين الأولى ولم يرمش له جفن على هدم بيوت الآمنين وحرق الأطفال وهم أحياء وقتل المعاقين بدم بارد واغتيال المسعفين، بل فتح أبواب الجحيم على أهل غزة بالحصار والقتل والملاحقة، رغم قدسية القضية ومحوريتها السياسية وعمقها الوجداني، فما الحل؟

مسيرات العودة الكبرى مشروع شعبي وتلقائي بدأ بتفعيله أبناء فلسطين أنفسهم، وتمثلت في مظاهرات سلمية أسبوعية مستمرة منذ عدة أسابيع، وتشمل الشباب والنساء والأطفال والشيوخ في ملحمة إنسانية تعطي للإنسانية قيمة الكرامة وتكتب للتاريخ الإصرار على الانتصار، ورغم ما تلاقيه هذه الحشود العزلاء من قذائف الصهاينة وقناصة العدو فإنها تزحف بتقدم وثبات نحو الأراضي الفلسطينية، وها هي تربك حسابات العدو وتكسب تعاطف الرأي العام العالمي، فماذا لو تنامت هذه المسيرة البشرية بزخم من العرب والمسلمين من كل مكان، فتصور لو شارك 1% فقط من أبناء الأمة الإسلامية في هذه المسيرة وبطريقة حضارية وسلمية فبات أكثر من 15 مليون إنسان على حدود فلسطين؟ هذه الظاهرة غير مكلفة للحكومات ولا تمثل أي عبء على الأحزاب السياسية، ولا تمثل أي انتهاك للقانون، ولكنها ستهز العروش وتسجل انتصاراً لا ينسى لمعنى الإرادة التي لا تقهر!