لم يتم تأسيس مكتب الاستثمار الكويتي بلندن، الذي صار ولايزال ربما محور ارتكاز للاستثمار الخارجي بشكل مخطط له، بل جاءت الفكرة عندما زاد دخل النفط فجأة سنة ١٩٥٢، وترتب على ذلك رغبة بريطانية في الإبقاء على الجزء الأكبر من تلك الأموال ضمن منطقة الإسترليني دعماً للاقتصاد البريطاني. وعندما بدأت المناقشات داخل أروقة الحكومة البريطانية بكل مستوياتها كوزارة الخارجية أو البنك المركزي أو وزارة المالية أو هيئة ضريبة الدخل، أو غيرها، كان التصور أن يقوموا بعرض فكرة واحدة لا غير يتحقق عبرها الهدف المنشود، دون تفاصيل ودون تعقيدات. كانت تلك الفكرة هي بدلاً من بقاء الفوائض النفطية الكويتية في حساب ودائع في بريطانيا، فإنه يتم نقلها إلى بورصة لندن وإدماجها بسوق الأوراق المالية.

لم يتم عرض الموضوع على الشيخ عبدالله السالم بالشكل المطلوب بادئ ذي بدء، فما كان من المعنيين بالأمر إلا أن قرروا تشكيل وفد من عدة جهات مالية في لندن، والتوجه إلى الكويت للحديث مباشرة مع الأمير، وهكذا كان.

Ad

فوجئ الوفد أولاً بعدم حماس، فضلاً عن عدم رغبة الشيخ للفكرة، مبدياً رغبته في الإبقاء على الأوضاع كما هي، وديعة في البنك، مؤكداً أن الدخول في البورصة مسألة معقدة، وتحتمل الربح كما تحتمل الخسارة. إضافة إلى ذلك فقد فاجأهم أيضاً بأن الفوائض النفطية المذكورة هي أموال الدولة، وبالتالي هي ليست ماله الخاص، بل هي أموال الشعب.

لم يحصل الوفد البريطاني، كما يتضح، على إجابة واضحة من الشيخ، لما ظنوا أنها فكرة بسيطة ومجرد استثمار فوائض مالية ستدر عليه زيادة في الدخل، بل صار عليهم أن يجيبوا على أسئلة لم يكونوا قد تهيأوا لها، أغلبها يدور حول من يملك هذه الفوائض المالية؟ هل الشيخ عبدالله السالم باسمه الشخصي، أم الدولة الكويتية؟ وفي هذه الحالة كان عليهم أن يجدوا إجابة للسؤال الأصعب، وهو أن ما بين الكويت وبريطانيا هو اتفاقية حماية، وليست اتفاقية علاقات دبلوماسية، فالعلاقات الخارجية كانت مسؤولية بريطانيا، وبقيت كذلك حتى استبدالها باتفاقية صداقة، وبالتالي إعلان استقلال الكويت في ١٩ يونيو ١٩٦١.

كانت الإجابات صعبة، ولكن الشيخ كان مصراً على الحصول على إجابات لتحديد طبيعة العلاقة، فالمسألة تتجاوز الشق المالي، وبالنسبة للبريطانيين، على الرغم من أن القوانين تمنع الكثير، فإن المال، كما يقال "عديل الروح"، وفي سبيله لابد من مراجعة القوانين، كما سنرى.