شهر رمضان المبارك ليس موسماً مُفضلاً للإعلانات التجارية التي تتخللها لقطات من بعض المسلسلات والبرامج فحسب، لكنه أيضاً موسم من يسمون أنفسهم بالدعاة والشيوخ ورجال الدين للظهور والوعظ وإلقاء القصص الخيالية، التي لابد أن تصاحبها أصوات الآهات الموسيقية في الخلفية لعلها ترقق القلوب، وتضفي الحزن والجدية على كلامهم الفارغ أحياناً.

سعى عمرو خالد لاستغلال الموسم الرمضاني كما يفعل غيره، وحاول هدم الفواصل بين البرامج الدينية والإعلانات وفتح الغرفتين على بعضهما البعض، فقد ظهر في إعلانه الشهير عن الدجاج الذي يُرقي الروح، لكنه واجه حملة شرسة لم تتوقف أوزارها حتى الآن، ولا أظنها ستتوقف. والرجل، للأمانة، لا يستحق كل هذا التحامل عليه، فهو لم يأتِ بجديد، وكان يحاول فقط أن يساير المرحلة حسبما استطاع أو عرض عليه، فلو كان إعلانه عن بنك مثلاً تضع أموالك به لتحل عليك البركة لكانت وجهة النظر مختلفة، لكن أغلب الناس كانت مشكلتهم في الحقيقة مع الدجاجة لا مع أداة ووسيلة تسويقها، ثم إنه مع ازدياد عملية تسليع الدين ومحاولة استغلاله قدر الإمكان، ومع وجود بنك إسلامي وشركة إسلامية وعصير إسلامي وكاتشب إسلامي، لابد أن نتوقع الدعاية وفق الشريعة أيضاً، فالإعلان من جنس السلعة، "فشمعنى" سوق الدعاية والإعلان هو من سيسيء للإسلام والسلعة نفسها لا تسيء؟!

Ad

بعد فترة بسيطة من محاولة عمرو خالد ترقية أرواحنا بالدجاج، حاول آخرون بيعنا الجنة بدعوتنا للجهاد من خلال دعم الاقتصاد التركي، بل إن "أبوالدجاج" كان أكثر شفافية ووضوحاً من أصحاب الديك الرومي، فعلى الأقل هو لم يدَّعِ عدم أهمية السائح الخليجي في يوم ويطالبه بالجهاد المالي والسياحي في اليوم التالي، ثم إنه لم يُدلس على الزبائن ويدعُهم للسياحة وشراء العقارات من شركاته في البلد المسلم ذي الطقس الجميل، والذي لا ينقطع فيه صوت الأذان، ولم يحذرهم في الوقت نفسه من انتشار الخمور والدعارة والمثلية فيه، بالنهاية لا الدجاج سيرقي أرواحنا ولا وقف انهيار الليرة التركية سيدخلنا الجنة، طعم الدجاج وضعف الاقتصاد التركي كلها مسائل فنية، فلا تدسوا الدين بالاقتصاد والسياسة أكثر من ذلك، ولا "تخوزقوا" الآخرين معكم.