الكويت بلد الإنسانية والخير والعطاء ودعم الدول المنكوبة والمحتاجة وتقديم الدعم مباشرة لأي دولة تستغيث نظرا لظروفها القهرية. والشعب الكويتي دائما سباق كعادته إلى الفزعة الإنسانية لدعم المحتاجين. وفي شهر رمضان الكريم تزداد المساعدات عادة لأن الجميع يطلب الأجر بأي وسيلة أو صورة، لذا قامت بعض الجمعيات الخيرية بإشهار حملات لإغاثة بعض الدول المنكوبة، والتي تعاني شعوبها الويلات، فهبّ أهالي الخير من جميع أنحاء الدولة إلى التبرع.

من جهة أخرى تخرج مسؤولة في الهلال الأحمر الكويتي لتكشف عن مأساة بالنسبة لها، فهذه هي المرة الأولى التي تعلم فيها أن هناك أسراً في الكويت محتاجة، ولا تملك قوت يومها وتعاني حرارة الصيف بلا تكييف وتعيش في الإسطبلات أو في الخيم وغيرها من البيوت التي تكتم خلف جدرانها آلاماً وصيحات لا يعلمها أحد، لا أعلم متى خرج مقطع المقابلة مع هذه المسؤولة؟ لكنه انتشر تزامناً مع حملة التبرع لحفر الآبار في دولة إفريقية، لتعلن لنا عن مأساة عدم معرفتها بما تعانيه بعض الأسر الكويتية، وعندما استمعت إليها لم أدر وقتها هل أضحك أم أبكي؟!

Ad

إذا كانت مسؤولة الهلال الأحمر تدق ناقوس الخطر في وقتنا الحاضر فقط فهي مصيبة، لأن الذي لا تعلمه هذه المسؤولة الفاضلة أن هذه الأسر محتاجة منذ سنوات وليست المسألة وليدة الساعة، وهي تعاني دون أن تتحرك الجمعيات الخيرية أو غيرها لإغاثتها، باستثناء جهود فردية من أهل الخير الذين تسابقوا لتقديم العون إليها ومساعدتها، بل إن العديد من وسائل الإعلام نشرت أخباراً عن حالات أصعب ووزعت أرقام هواتف أصحابها الذين يريدون من ينتشلهم من ضياع الفقر وقسوة الظروف المناخية بعد أن وجدوا أنفسهم أمام صحراء قاحلة أصبحت مسكنهم في خيمة حملت على متنها سنوات عجافاً.

إن دعم الأسر المحتاجة، سواء في الجليب أو الصليبية أو الإسطبلات وغيرها، يحتاج إلى خطوات جادة في تقديم العون الفوري وتأمين مسكن لمن لا يملكه من قاطني الإسطبلات أو البر. ولكن لنرجع إلى علة احتياج هؤلاء خصوصا أن من بين الذين هجروا إلى البر أو الإسطبلات للعيش شباباً من أصحاب الشهادات، ولكنهم بلا عمل أو أمل. وفي هذا الصدد أريد أن أسرد قصة رجل سكن البر بعد أن ضاقت عليه الظروف فسارع أحد فاعلي الخير لمساعدته، وكان الطقس في هذا اليوم غباراً شديداً وعندما طلب منه مقابلته أبلغه أن يلتقيه في مستشفى الجهراء لأنه نقل زوجته التي تعاني ضيق التنفس إلى هناك، وبالفعل توجه إليه والتقاه وكانت ملابسه رثة، فقد تكون هذه الدشداشة التي يلبسها هي الوحيدة التي يملكها، فسأله فاعل الخير عن مسكنه، فردّ: خيمة صغيره تبرع لي بها صديق كان يستخدمها أيام المخيمات، فسأله: هل يوجد بها أي وسائل تكييف في هذا الجو الحار؟ فكانت الإجابة: الحمد لله، إنني أجلس في خيمة ظلها هو المكيف. وكيف واجهت الغبار في هذا اليوم؟ يسأله فاعل الخير، فيجيب: «ركبت سيارتي وأصبحت أتجول بين المناطق السكنية هرباً من غبار البر»، قاطعه فاعل الخير بسؤال: «يعني ذلك أنك تملك سيارة وهو أمر جيد ينم عن أنك تستطيع أن تدبر أمورك بمسكن لو قمت ببيعها، أو حتى يمكنك استخدام تكييفها هرباً من الحر؟». ذرفت عينا الرجل بحسرة، وطلب من فاعل الخير مرافقته ليتوقفا أمام مركبة «خردة» لا مكيف فيها ولا أي شيء من مقومات السيارات، وقال: الحمد لله أنها توصلني إلى المستشفى لإنقاذ زوجتي وابنتي المعاقة أو الهرب من الغبار إن احتجت إلى ذلك.

هذه حالة من حالات قد تكون أشد وأمرّ، وبالفعل يجب أن تتسارع الجمعيات الخيرية وأهل الخير لإنقاذ من هم في الداخل، والأقربون أولى بالمعروف، لاسيما أن مساعدة هؤلاء لا تحتاج إلى بطاقة أمنية صالحة أو إحصاء 1965 أو إثبات من أي بلد قدموا، بل تأمين حياة أسر تستغيث في كل يوم بسبب الفقر.

آخر الكلام:

نفطر على موائد من الخير مجتمعين بين أسرنا... وهناك من يفطر وهو فاقد نفسه بعد أن وضع كرامته بيد الآخرين!