يبدو أن شياطين الإنس قد أخذوا على أنفسهم عهداً ألا يتركوا المجال فارغاً في شهر رمضان، وأن يسدوا العجز والنقص في شياطين الجن، وأن يعوضوا غيبتهم وتصفيدهم في الأغلال، فإذا كان الله عز وجل برحمته وكرمه علينا قد تكفل بتكبيل وتصفيد مردة الشياطين في شهر رمضان؛ حتى يعطينا الفرصة الكبيرة لاغتنام الأجر والثواب في هذا الشهر الكريم، فمن يكفينا شر شياطين الإنس ويكبلهم عنا ويرميهم في أعماق البحار والمحيطات، ويضفي على الشاشة الصغيرة بعض الرقي والعفة في هذا الشهر الكريم؟!

الشاشة الصغيرة أصبحت مليئة بالبذاءات والعهر الفني في شهر رمضان، وكلما تكلمت مع أحدهم قال إن هذه المسلسلات تعبر عن الواقع، وإنها مأخوذة من قصص حقيقية تحدث في واقعنا اليومي وحياتنا المعيشة، والسؤال هو عن أي واقع تعبر هذه المسلسلات؟ وهل تركنا كل فئات ونماذج المجتمع الكويتي والأسر الكويتية، وأصبحنا نركز على السفالات والبذاءات التي تحدث في بعض البيوت وبعض الأسر فقط، فبالله عليكم كيف هي صورتنا أمام العالم، وكل من يشاهد هذه المسلسلات يرى المجتمع الكويتي أسراً ممزقة، وعادات اجتماعية فجّة، وأفكارا مريضة، وشخصيات عفنة وقبيحة.

Ad

قديما وقبل عدة عقود ونتيجة نوعية معينة من الإنتاج السينمائي، كان البعض ممن لا يعرفون مصر والمجتمع المصري المتدين العفيف، حينما يشاهدون هذا الإنتاج السينمائي يعتقدون أن مصر فقط هي "شارع الهرم"، وهو اعتقاد غير صحيح بالمرة؛ لكن الصورة التي نقلتها هذه النوعية من الإنتاج السينمائي تسببت في نقل هذه المفاهيم الخاطئة للمشاهدين البسطاء الذين لم يزوروا مصر ولم يخالطوا أهلها الطيبين الكرام، وها نحن الآن في الكويت نكرر التجربة السيئة ذاتها بصورة أكثر خطورة وفجاجة وفحشا في الشهر الكريم، وها نحن نعرض لكل المجتمعات الخليجية والعربية أسوأ ما لدينا من نماذج وأفكار ومشكلات تهدم البيوت والأسر والمجتمعات، وبحجة التعبير عن الواقع فإننا نساهم يوماً بعد يوم من خلال الشاشة الصغيرة في تشويه صورة المجتمع الكويتي، فأي واقع تتتحدثون عنه؟ وهل أصبحت كل الشخصيات الكويتية مريضة؟ وهل نضبت الكويت من الأمثلة الجيدة؟ وما الهدف من نشر كل هذه الأمراض الخبيثة وتعميمها في المجتمع؟ وما الغاية الدرامية الإيجابية التي تصبو إليها هذه الأعمال؟!

أما عن شهر رمضان فقد ساهمت فضائيات الشاشة الصغيرة وشياطين الإنس فيها، في تحويله من شهر العبادة والطاعات إلى شهر الأفلام والمسلسلات والبرامج والترفيهية، في الوقت الذي ندر فيه وقلّ وجود البرامج الدينية والمسلسلات الدينية والتاريخية، والبرامج الهادفة التي اعتدنا عليها من قبل، وكأننا نرفض أن نبقي لرمضان شيئاً من روحانياته وعاداته الحميدة في بيوتنا وأسرنا، فاللهم اعصمنا من شياطين الإنس كما عصمتنا من شياطين الجن في هذا الشهر الكريم، وتقبل اللهم صيامنا وقيامنا واجعلنا من عبادك الصالحين.

رسالتي الأخيرة لكل المدافعين عن حرية الفن والإبداع وأصحاب نظريات نقل الواقع والتعبير عنه، وغيرها من النظريات التي تضع السم في العسل، وتبرر ما يعرض على الشاشة الصغيرة في هذا الشهر الكريم، رجاءً انظروا إلى نتائج أعمالكم وتأثيراتها على المجتمع، وساعتها ستعلمون أنكم تقدمون رسالة فنية هدامة تضر المجتمع، وتقدمون النماذج السيئة للأجيال الحالية، وتفسدون علينا روحانيات الشهر الكريم، فإذا كانت العبرة في الغاية والنتيجة، فنتائجكم فاشلة ومدمرة وتستحق ما هو دون الصفر، فعلى المستوى الدنيوي والفني، لم تحققوا شيئاً ولم نشهد عملاً من أعمالكم قد حصد جائزةً معتبرة أو ذات قيمة في المجال الفني أو الدرامي؛ أما على المستوى الروحاني والديني فأنتم تقومون مقام الشياطين في شهر رمضان الكريم، وتنشرون كل ما يعكر صفو الشهر الكريم ويلهي الناس عن العبادات والطاعات، فماذا قد بقي لكم؟!

إنها التجارة والمال هي ما تبقى لكم، فبئساً لتجارة بالقيم والشعوب، ولعلكم تأخذون من معلمكم الشيطان درساً وتجهرون بحقيقة دوركم في تضليل البشر وإبعادهم عن الصراط المستقيم؛ بدلاً من كذبكم وادعاءاتكم بأنكم تدافعون عن الفن ورسالته السامية، وبأنكم تنقلون الواقع وتمثلون مرآته الصادقة، فالفن الراقي منكم بريء، والمجتمع الذي تمثلونه هو مجتمع بذيء، يمثلكم ولا يمثل الكويت، فاللهم إني صائم، إني صائم.