هل تغوص إيطاليا في الفوضى السياسية؟ قد يهز البعض كتفيه ويقول إن هذه إيطاليا. صحيح أن إيطاليا شهدت سياسة فوضوية من قبل، إلا أن ذلك لا يجعل الخلاف الحالي أقل خطورة، فلا نعلم بعد ما إذا كانت رابطة الشمال تؤيد مطالب حركة النجوم الخمسة وحزب «أخوة إيطاليا» الأصغر بسحب الثقة من الرئيس، ولكن إذا أيدتها فسنشهد أكثرية في كلا المجلسين، كذلك تدعو حركة النجوم الخمسة والرابطة لانتخابات جديدة، ولكن هل يستطيع الرئيس حل البرلمان فيما يواجه مطالب بسحب الثقة منه؟ في هذه الأثناء، قدّم الرئيس شخصية جديدة لمنصب رئيس الوزراء يبدو أنها مصممة تقريباً لإهانة الأحزاب التي فازت بالانتخابات الأخيرة.

أدت الانتخابات الأخيرة إلى نتائج صادمة، فقد فازت الرابطة وحركة النجوم الخمسة بغالبية المقاعد في كلا المجلسين، لكن حركة النجوم الخمسة مجموعة مناهضة للمؤسسة أسسها فعلياً كوميدي، أما الرابطة فكانت سابقاً حزباً انفصالياً شمالياً تحوّل إلى قوة سياسية وطنية، وفي إشارة واضحة إلى مدى الفوضى التي تعم السياسة الإيطالية، أصبح زعيم الرابطة ماتيو سالفيني سيناتور كالابريا، ذلك الجزء من إيطاليا الذي كانت الرابطة تواقة سابقة للانفصال عنه.

Ad

خرجت حركة النجوم الخمسة من الانتخابات الحزب الأقوى، رغم أن هذه الانتخابات أُجريت وفق قانون انتخابي جديد معقد صُمم خصوصاً لمنع هذه الحركة من الوصول إلى السلطة، كذلك تخطت الرابطة شريكها في الانتخابات حزب برلسكوني «إيطاليا إلى الأمام» (فورزا إيطاليا). وهكذا جاءت هذه النتائج لتؤكد أن السياسات في مختلف أنحاء العالم الديمقراطي تشهد تقلبات مستمرة.

لم تستطع حركة النجوم الخمسة والرابط الاتفاق على مَن منهما يجب أن يتولى القيادة، لذلك بحثتا عن مرشح يشكّل حلاً وسطاً بينهما: جوزيبي كونتي، بروفيسور متخصص في القانون لم يكن معروفاً سابقاً وتشير تقارير إلى أنه «تلاعب» ببعض أوجه سيرته الذاتية، لكن كونتي أعاد تكليفه إلى رئيس الجمهورية، مشيراً إلى أنه عجز عن تشكيل حكومة، ثم أكّد الرئيس لاحقاً الشائعات عن رفضه تعيين الاقتصادي المناهض للوحدة الأوروبية باولو سافونا وزيراً للمالية، كان سافونا قد أعلن أن على إيطاليا أن تتخذ خطوة إلى الأمام وتصبح دولة منفردة أو تتخذ خطوة إلى الوراء وتعيد ابكتار النظام لتصبح عملية خفض قيمة العملة ممكنة.

برر الرئيس رفضه سافونا بقوله إنه يسعى إلى حماية منقذي إيطاليا، وأن الانتخابات لم تمنح الحكومة تفويضاً للتخلي عن اليورو، لكنه بذلك يتخطى على الأرجح صلاحياته الدستورية، يعيّن رئيس الجمهورية الإيطالي الحكومة وفق توصيات رئيس الوزراء، ولا يتمتع رئيس الجمهورية الإيطالي بصلاحيات الرئاسة الأميركية أو الفرنسية، ففي النظام البرلماني الإيطالي، يُفترض بالرئاسة أن تمثل «الوحدة الوطنية»، لذلك يعرّض خوض الرئاسة مسائل سياسية تثير الشقاق لخطر التشكيك في منصب الرئيس، وهذا بالتحديد ما حدث، ففي خطاب قبل أيام أعلن سالفيني أن انضمام سافونا إلى الحكومة يشكّل خطاً أحمر للرابطة، كذلك دعت حركة النجوم الخمسة إلى سحب الثقة من الرئيس لاعتدائه على الدستور ليس إلا.

قدّم الرئيس شخصية جديدة لمنصب رئيس الوزراء، كارلو كوتاريللي، لكن هذه الخطوة بدت أشبه بصفعة متعمدة على وجه حركة النجوم الخمسة، والرابطة، والناخبين بالتأكيد. تبوأ كوتاريللي سابقاً منصب مدير الشؤون المالية في صندوق النقد الدولي، ولُقب بالسيد «المقص» لدعمه الاقتطاعات في الإنفاق، لكن برنامج الحكومة المشترك بين حركة النجوم الخمسة والرابطة، حسبما حلله زميلي إينيا ديسيدري، يدعو بالتحديد إلى مسار اقتصادي مختلف تماماً: المزيد من الإنفاق واقتطاعات ضريبية.

بلغت الحرارة في الخطاب الإيطالي درجات عالية جداً، فلا نعرف بعد ما إذا كانت الرابطة ستدعم سحب الثقة، لم ترغب الرابطة حتى اليوم في الانفصال كاملاً عن شريكها الأول في الانتخابات (وشريكها في الائتلافات الإقليمية)، حزب «إيطاليا إلى الأمام»، الذي عارض بشدة سحب الثقة، رغم ذلك، هل يقبل سالفيني بأن تتخطاه حركة النجوم الخمسة؟ قبل أيام، اتهم سالفيني أوروبا، وخصوصاً برلين، بعرقلتها تشكيل الحكومة الجديدة. كذلك صب جام غضبه على فقدان السيادة الناجم عن الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي واليورو، لذلك يتوقع البعض أن تشكّل الانتخابات، إن عُقدت، استفتاء بشأن اليورو، لكن الخطر الأكبر يبقى أن تتحول إلى استفتاء بشأن الديمقراطية بحد ذاتها.

* هنري نيومان

*«سبكتايتور»