بعد أن كشفت قضية فقد ملف شركة تيماس العقارية التي تحقق فيها النيابة العامة ضعف المنظومة الإدارية لدى وزارة العدل، بالحفاظ على الاوراق والملفات القضائية التي تتضمن حقوق الناس وأموالهم بات يتعين على وزارة العدل سرعة العمل على إيجاد أنظمة تضمن الحفاظ على حقوق الناس وأموالها، بعد أن اصبحت عرضة للفقد والإتلاف!

قضية فقد ملف شركة تيماس، التي كشفت التحقيقات التي تجريها النيابة العامة عن الاشتباه في مسؤولية عدد من المحامين وعدد من العاملين لديهم وأمناء سر الجلسات، تبرز بجلاء حقيقة واحدة مفادها انعدام الرقابة الإدارية على الملفات القضائية وعلى عمل أمناء سر الجلسات وحجاب الجلسات، وهو الأمر الذي يتطلب من المجلس الاعلى للقضاء سرعة العمل مع وزارة العدل على وضع حد لاحتكاك الموظفين مع مندوبي المحامين والمحامين أنفسهم، مع ايجاد نظام يسمح بنقل الأوراق والمستندات التي تسمح المحاكم بتصويرها.

Ad

حماية

التحريات التي تتضمنها تلك القضية المؤسفة على الجهاز القضائي، والتي سيحسم القضاء فيها كلمته بالبراءة او الادانة لمن اشتبه بتورطه فيها، تكشف عن كارثة في حماية الملفات القضائية، والتي سبق أن طالبنا بأن تكون في مخزن في المحكمة الكلية تودع فيه كل الملفات، بعد نهاية كل جلسة، ولا يقترب أمين سر الجلسة من الملفات بعد ايداعها، ويتم تمكين الافراد من تصوير الملفات بناء على اذن مكتوب من القاضي يسلم الى مكتب يتلقى تلك الطلبات، وهو ما يضمن عدم احتكاك العاملين بالمحامين أو مندوبيهم أو المراجعين.

نسب

انعدام الرقابة الادارية من المسؤولين في المحاكم دفع عددا من موظفي المحاكم العمل في مكاتب المحاماة بالفترة المسائية وتحويل القضايا الى مكاتب المحاماة الذين يعملون فيها من أجل مبالغ مالية تعطى لهم كنسب، وهو الأمر الذي يثير تساؤلاً كبيراً: أين الرقابة الادارية من الوزارة على أعمال موظفي المحاكم؟ وأين رقابة جمعية المحامين على مكاتب المحاماة التي تضم عاملين من بينهم موظفون حكوميون ومن قطاع المحاكم تحديدا، وهي من تملك قانونا الدخول الى مكاتب المحاماة، التي يعيش كثير منها حالة من التضمين والتأجير؟ أم ان الجمعية والقائمين عليها لا يملكون نبش هذه الاعشاش التي قد تؤثر على رصيدهم الانتخابي، الذي يضيع المهنة يوما بعد يوم!

منظومة

غياب المنظومة الرقابية على الملفات والاوراق القضائية في محاكمنا اليوم سمح بإتلاف العديد من الاوراق القضائية في الملفات التي تنظرها المحاكم، والتي كانت احداها قضية دعم العمالة الوطنية، التي احالها رئيس الهيئة القضائية الخامسة في محكمة الاستئناف المستشار ابراهيم العبيد الى النيابة العامة، بعدما ثبت العثور على اوراق بتحقيقات النيابة العامة ممزقة وبعض الاصول للمستندات غير متواجدة في الملف، غير ان هذا الملف كان موجودا بمكاتب المحكمة، ولكن السؤال الذي يثور: كيف مزقت تلك الاوراق القضائية؟ وأين ذهبت اصول المستندات القضائية؟!

اعتماد وزارة العدل على العمالة الهامشية التي تجلبها بعض الشركات التي تتاجر برواتب الموظفين لا ينتظر منه تحقيق نتائج مبشرة لرفع اداء اي جهاز اداري، فكيف الحال بجهاز مساند لاعمال السلطة القضائية تتداول به ملفات بملايين الدنانير؟ وكأمر طبيعي بحث بعض المنتمين لتلك العمالة غير المؤهلة في تحقيق العمل المساند للسلطة القضائية عن مصادر دخل لهم ولم يجدوه اليوم الا من بعض المحامين أو مندوبي المحامين أو حتى المراجعين، وهو أمر -للاسف- يبوح به بعض المسؤولين قبل المراجعين، باسم «الاكرامية»، التي جعلت تصوير الحكم بخمسة دنانير وضم الملفات بـ20 ديناراً!

خدمات

طبيعي جدا أن تنهار المنظومة الادارية في المحاكم، وتحديدا المحكمة الكلية التي تعاني منذ سنوات تراجعا كبيرا في خدمات الاعلان والحفظ وتصوير الاوراق والأحكام القضائية، ولن تتقدم تلك المنظومة شبرا واحدا الا بتغيير نمط الادارة وإيجاد الخبرات الفاعلة لهذه الاعمال، بعد ان كشف الواقع المؤلم ضعف اداء العديد من الموظفين في تحقيق الاعلان أو رفع الدعاوى او حتى الحفظ، بل والتنفيذ.

وزارة العدل، منذ ثلاث سنوات، أعلنت عن تركيب أجهزة لتتبع الملفات القضائية في المحاكم تتعقب الملفات في انحاء قصر العدل، الا ان الوزارة قامت بتركيب الأجهزة منذ عهد الوزير الاسبق يعقوب الصانع، لكنها لم تعمل حتى الان بذريعة أن الوزارة مازالت تعمل على تشغيلها، وللاسف مازالت الوزارة تعيش في غيبوبتها والملفات تفقد يمينا وشمالا، بل ويتلف منها مستندات!

المرافق

مخجل جدا أن تعيش المرافق القضائية حالة من التردي والتراجع في الايام الماضية بدأت في الخدمات التي تقدم للمتقاضين، ثم انهار معها اسلوب الرقابة الادارية على اداء بعض الموظفين ومحاسبتهم والعمل على مجاملتهم، فغابت سياسة الضبط والربط الإداري في الرقابة على أداء الوظيفة العامة، وامتدت الى اهمال الرقابة على الملفات القضائية التي لم تصبح عرضة للضياع فقط، بل للإتلاف، ولا احد يعلم منا هل تم ذلك بمقابل أو من دون مقابل!

عدم الاستجابة الى النداءات التي اطلقتها النيابة العامة في التحقيق في قضايا فقد الملفات لقضية تيماس وتداعياتها المؤسفة وإتلاف اوراق التحقيق في قضية دعم العمالة الوطنية يعني المزيد من الاخفاقات في الحفاظ على المنظومة القضائية الادارية، والتي تعد وزارة العدل مؤتمنة عليها، وعدم الاسراع في اتخاذ إجراءات حماية الملفات والرقابة على من يحملها يعني المزيد من فقد الملفات وضياعها وإتلاف مستنداتها الأصلية!

صورة من كتاب وزارة العدل المرسل للجريدة في ديسمبر الماضي بأن العمل جار على تشغيل أجهزة التتبع التي لم تعمل حتى اليوم منذ تركيبها

3 سنوات والأجهزة بلا تشغيل!

على خلفية الخبر الذي نشرته «الجريدة» في ديسمبر الماضي بشأن فضيحة فقد الملفات في قصر العدل، وغياب تفعيل الأجهزة التي قامت وزارة العدل بتركيبها، ردت الوزارة على «الجريدة» بأنها ركبت تلك الأجهزة غير أن عدم تشغيلها حتى الآن يعود إلى التنسيق بين الإدارات فيها.

السؤال الذي يطرح نفسه، ونوجهه بدورنا إلى وزير العدل هو: ألم تكف فترة الأشهر الستة من رد الوزارة لتشغيل تلك الأجهزة التي تم تركيبها قبل نحو 3 سنوات في عهد الوزير السابق يعقوب الصانع، أم أن الوزارة عاجزة عن تشغيلها تماماً، وهو الأمر الذي لا تريد أن تعترف به، لاسيما أن تلك الأجهزة تتطلب لعملها شرائح توضع بكل ملفات الدعاوى القضائية، وهي الشرائح التي لم يتم تركيبها حتى الآن؟ وإن كانت «العدل» غير قادرة فلماذا تتعاقد وتورط نفسها بأجهزة وضعت للشو الإعلامي؟