لا أميل إلى التلفزيون في شهر رمضان إلا إلى متابعة المسلسلات التاريخية التي شحت بالجودة، ووصلت إلى درجات مخيفة في السنوات العشر الأخيرة، بعد أن هجر كل من المخرج حاتم علي والكاتب وليد سيف المجال الذي أبدعا فيه. صحيح أن حاتم علي أبدع في "فاروق" وتوهج في "عمر" إلا أن ضربته التي قلبت مسار الدراما التاريخية تتجلى في الثلاثية الأندلسية (صقر قريش، ربيع قرطبة، ملوك الطوائف) والتي توقفت مسيرتها في 2005 عند حقبة تاريخية مهدت لحقب نهاية الوجود الإسلامي في الأندلس، والتي من الممكن أن تسد لموسمين أخيرين.

هذه الأيام أتابع بحذر شديد مسلسل "هارون الرشيد"، وهو حتى الأمس يعيش على حافة الملل؛ لأنه اختزل مرحلة ثرية بالأحداث داخل مسار يتيم، هو مصير خلافة هارون وصراعه مع أخيه الخليفة موسى الهادي، وكثير من "حكي النسوان"، وكاميرا ثقيلة الحركة لم تخرج عن بضعة قصور ومخادع وأسواق، الشيء الذي دفعني لمواصلة مشاهدة المسلسل ثلاثة أمور رئيسة: جدية الحوارات رغم قلتها ونفسها القصير، ونأي المسلسل عن التسويق الرخيص بأجساد الجواري وجلسات الأنس التي تحشر حشرا في الخط الدرامي، وتشويق الأحداث المنتظرة التي ستحدد مصير هذا المسلسل.

Ad

إن حقبة الرشيد معروفة مثل غيرها من الحقب منذ مئات السنين، والعبرة في طريقة العرض وتوزيع أوزان الأحداث، وأول محطة فشل فيها المسلسل هي طريقة انتقال السلطة من الهادي إلى الرشيد، حيث بدا الأمر مرتبكا ناقصا وفيه الكثير من المبالغة في مشاهد قبول وتسليم الرشيد بأمر إقصائه، ثم ظهور مشاهد نقيضة يأبى الرشيد فيها التسليم بالأمر بسهولة، وتبقى محطات أخرى لا أعتقد أني سأنتظر آخرها ما لم تحدث المعجزة، وتبدأ وتيرة أحداث المسلسل بالتسارع مثل (نكبة البرامكة، تعاطي الرشيد مع أمور الخلافة الخارجية، تأمين ولاية العهد) وبين تلك الأحداث لا يمكن تجاوز أبي نواس والعباسة وجعفر البرمكي.

إن من بين صفحات تاريخ الدولة العباسية وقبلها الدولة الأموية الكثير من تجارب العرب في الحكم والتولية، والأخيرة لأهميتها في وحدة وتماسك إدارة الدولة زخرت بالكثير من الأمثلة المحبطة، لإصرار أكثر من خليفة على عزل أخيه لتولي ابن الخليفة ولاية العهد، ثم تكرار قيام الخليفة نفسه بتعيين ولي عهد ثان ليخلف أخاه؛ لينتهي الأمر بمجزرة كما حصل بين أبناء الرشيد الأمين والمأمون، أو بالحل الإلهي كما حصل بموت الوليد وتولي أخيه سليمان بن عبدالملك أيام الدولة الأموية، علما أن هذا الحل غير مضمون حصوله وقت الحاجة؛ لذلك قتل الخلفاء غدرا بالسم والسيف وأشياء أخرى.

ختاماً تأتي أهمية المسلسلات التاريخية المصنوعة بحرفية عالية من دورها في إطلاع الناس على الكثير من الدروس والعبر لمن لا يجد الوقت أو الرغبة في قراءة التاريخ الذي أثبت أن العرب أمة لا تجيد قراءة التاريخ.