أكد الفنان مصطفى أحمد، أن شركات الإنتاج حطمت الأغنية الكويتية، وتسببت في ضياع هويتها.

وقال مصطفى في حديثه لـ «الجريدة»، إن جمعية الفنانين الكويتية كانت المظلة التي تجمع الفنانين خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، مشيراً إلى أنها أصبحت حالياً شبه مهجورة.

Ad

ولفت إلى أنه افتقد العديد من رفاق الدرب، معتبراً أن الجو العام للعمل تغيَّر، حيث كان الملحن ينجز 3 أغنيات خلال ساعات، والمؤلف يكتب أكثر من عمل غنائي في اليوم الواحد، مع غزارة الأفكار، في حين حالت ضغوط الحياة حالياً دون ذلك.

وأكد أن هناك العديد من المطربين الذين يرددون أغنياته في الوقت الراهن، لافتاً إلى أن التميز هو أن يقدم الفنان العمل بشخصيته، دون تقليد لغيره. واستغرب ممن يكررون بعض الجُمل الموسيقية، ويُطلقون على أنفسهم لقب موزعين، مشيرا إلى أن تنفيذ الأغنية يختلف، ويضيف للعمل.

وفيما يلي تفاصيل الحوار:

• ما دور جمعية الفنانين الكويتية تجاه الفنانين حاليا؟

- خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي كانت الجمعية المظلة التي تجمع كل الفنانين، لكن الآن اختلف الوضع، وأصبحت شبه مهجورة، ولا ألقي باللوم هنا على الجمعية، بل على الفنانين، خصوصا أن كل فنان افتتح لنفسه مكتبا يحمل اسمه، ويباشر أموره من خلاله، ويلتقي زملاءه هناك.

للأسف، تحوَّل الفن إلى تجارة، كل مجموعة تتألف من ملحن وشاعر ومطرب أو اثنين تعمل على حدة، وتنتج أعمالا، سواء عاطفية أو وطنية، أو أغنية لدولة خليجية شقيقة، بمناسبة أعيادها الوطنية، وقس على ذلك مجموعات عدة في الوسط الفني تعمل وفق هذا النهج. حاليا الجمعية لا يقصدها سوى مجموعة صغيرة، منهم «شادي الخليج» وغنام الديكان.

• ماذا افتقدت في الفن حاليا؟

- هناك أصدقاء رحلوا، رحمة الله عليهم، هم رفاق الدرب والكفاح والعمل المستمر، منهم مرزوق المرزوق، والعديد من المؤلفين والملحنين، منهم من فارق الدنيا، وبعضهم ابتعدوا عن الفن؛ قصرا أو عمدا، بسبب الظروف الأسرية وضغوط الحياة.

قديما كان لدينا متسع من الوقت، فقد ينجز الملحن 3 أغنيات في يوم واحد، فيما يكتب المؤلف أكثر من عمل خلال ساعات، مستندا إلى مجموعة أفكار.

مفارقات

• لنتطرق إلى بعض الأغنيات الناجحة في مشوارك، وكيف خرجت للنور؟

- هناك «ترى الليل» سامرية و«ما دريت» و«ما درينا بك»، والعديد من الأعمال التي مازال الجمهور يرددها حتى وقتنا هذا.

ومن المفارقات، أن مقاييس نجاح أو فشل أي عمل غنائي مختلفة، وتتوقف على ردة فعل الجمهور وتفاعلهم، وأصبحت على يقين أن ذائقة المتلقي لغز محيِّر و«لوغاريتم» صعب فك رموزه.

• لماذا، هل صادفت عملا توقعت له النجاح، ولم يحدث أو العكس؟

- بالفعل، هناك العديد من الأعمال التي تتوقع لها النجاح، لكنها لا تحقق المرجو منها، والعكس أيضا، على سبيل المثال أغنية «مكتوب علينا نعشق يا قلبي»، من كلمات خليفة العبدالله، وألحان عبدالرحمن البعيجان، وسجلتها في القاهرة مع الفرقة الماسية، وهي أغنية طربية نفذت بإتقان، ورغم ذلك لم تحقق النجاح المتوقع. بينما عندما اجتمع ثلاثتنا في أغنية «ما درينا بك» لاقت استحسان الجمهور. ومن المواقف التي لا تُنسى، أنني عندما ذهبت إلى البحرين، لإحياء إحدى الحفلات، استقبلني الجمهور بها في المطار. لذلك، فإن نظرة الجمهور غريبة، ولا يمكن التنبؤ بردة فعله، ربما الزمن فقط كفيل بأن يرد لأي عمل غنائي اعتباره، وبمرور الوقت تجد من يقدِّر حجم المجهود المبذول في كل عمل غنائي.

الأغنية الكويتية

• من المطرب الذي استطاع أن يغني أعمالك بصورة مرضية؟

- أغلب الفنانين حاليا يرددون أغنياتي في حفلاتهم الجماهيرية، لكن دعني أوضح لك أن الفنان الناجح هو من يقدم العمل بشخصيته، دون تقليد الغير، خصوصا أن الله، سبحانه وتعالى، منح كلاً منا موهبة وقدرات تختلف من شخص لآخر، لذلك فالمقارنة مستحيلة، مثلا «موسيقار الأجيال» محمد عبدالوهاب جاء بعده العديد ممن حاولوا تقليده، مثل عادل مأمون، لكنه لم يتفوق عليه، كذلك هاني شاكر تسمعه أم تسمع عبدالحليم؟ لاشك عبدالحليم حافظ.

• برأيك، ما الذي أثر على الأغنية الكويتية؟

- تتحمَّل شركات الإنتاج مسؤولية ضياع هوية وملامح الأغنية الكويتية، لأنها تتعامل مع العمل الفني وفق حسابات الربح والخسارة، فأصبح الأمر برمته تجارة. إذا ما قدمت لهم عملا فنيا متكاملا من كلمات وألحان يسألون عن السعر، وقد يجبرون الفنان على التعاون مع شعراء وملحنين بالاسم، لأن أسعارهم أقل، وهناك بعض الفنانين رضخوا لهم. للأسف، شركات الإنتاج حطمت الأغنية.

• هل التوزيع يصنع الفارق في مستوى الأغنية؟

- بعض الأغنيات تحتاج إلى توزيع، وأخرى لا تتطلب ذلك، لاسيما الأغنيات الشعبية والخفيفة. وبالفعل، أستغرب ممن يكرر بعض الجُمل اللحنية، ويدَّعي بأنه يوزع الأغنية، فيما تنفيذها يختلف تماما، وهناك من يغيِّر بالفعل من شكل العمل.

الأعمال الوطنية

• كيف تقيم ما يقدم من أغنيات وطنية حاليا؟

- الأغنيات الوطنية قديما كانت ذات موضوع ولحن، فيما أصبحت حاليا خفيفة. افتقدنا للأسف الموضوعات القوية واللحن المميز، فضلا عن مدة الأغنية التي صارت لا تتجاوز 4 دقائق، تماشيا مع الثقافة العامة.

• أغنيته «يا أهل الديرة قالها جابر»، من كلمات ماجد المهنا، حدثنا عنها؟

- الأغنية من كلمات المهنا، وألحاني، واستوحيت فكرتها من كلمة الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد، رحمة الله عليه، ومازلت أذكر عندما لحنتها، كنت أتخيل الشيخ جابر متحدثا إلى عموم الشعب.

• أنت من محبي الفنان المصري الراحل محمد قنديل؟

- بالفعل، صوته قوي، وأداؤه كان رائعا، لكنه لم يحقق نجومية عبدالحليم، وغيره من نجوم تلك المرحلة، للأسف.

برامج المواهب

• ما رأيك في برامج اكتشاف المواهب؟

- جيدة في المجمل، لأنها تساهم بتقديم العديد من الأصوات للجمهور. وفي رأيي نتائجها تكون محسومة مسبقا، كذلك السؤال الذي يفرض نفسه؛ أين الأسماء التي فازت من قبل في هذه البرامج؟ الأغلب لا وجود لهم حاليا. الفن للأسف أصبح يقتصر على الصداقات والعلاقات، والساحة يحكمها الإعلام.

• وكيف تقيِّم مشاركة المطربين الذين يقيمون تلك الأصوات؟

- بعضهم أداؤه جيد، لكن في العموم ما خبرتهم - مع احترامي لهم جميعا – لتقييم أداء المواهب؟ هذه مهمة الملحن، الذي لديه القدرة على أن يقيِّم الصوت، إلا إذا كان المطرب تجاوزت مسيرته 50 عاما وعاصر ملحنين كثرا مثل محمد عبده.

• ما رأيك في غناء المطرب بغير لهجته؟

- ظاهرة صحية، لا يختلف اثنان على ذلك، لأنها تساهم في وصول الفنان إلى الجمهور العربي بشكل عام، ولنا في ذلك أمثلة كثيرة، فهناك نجوم كبار غنوا بغير لهجتهم، وحققوا نجاحا مميزا مثل عبدالحليم حافظ، الذي قدَّم أغنية باللهجة الكويتية، واستطاع إيصال رسالته، رغم اختلاف لهجته، وكذلك وديع الصافي وأم كلثوم وعبدالوهاب ونجاة وغيرهم.

المجاملات الفنية

• بعد هذا المشوار، هل أنت راضٍ عما قدمته من أعمال غنائية؟

- في المجمل نعم، لا أنكر أنني في بداية حياتي جاملت كثيرا، سواء كانوا ملحنين أو شعراء، وهذا الأمر يحدث مع كل فنان في بداية حياته الفنية، وهذه المجاملات كانت لظروف معينة، لكن ما إن يتمرس الفنان في الوسط الفني، ويدرك أبعاد كل عمل وينضج فنيا، فإنه يستطيع تجاوز أي عقبة، ولا تجد للمجاملة مكانا في قاموسه.

• إلى أي مدى تؤثر المجاملة على الفنان؟

- المجاملات أخطر شيء بالفن، وتضر بالفنان كثيرا، ولست راضيا عن نحو 5 أغان أو أكثر قدمتها في بداية حياتي الفنية، والمجاملة كانت لمؤلفين وملحنين.

• لماذا اختفت الأغنية التراثية؟

- لأنه ليس هناك من يؤديها حاليا، مع اختلاف الأذواق، وأيضا اختفاء الملحنين الذين لديهم القدرة على تقديم مثل هذه النوعية من الأعمال.

الجيل الجديد

• رسالة توجهها إلى الجيل الجديد؟

- الأجيال الجديدة خطيرة، ومن الصعب أن توجههم، خصوصا مع اختلاف الزمان والانفتاح الكبير على ثقافات أخرى والدور الكبير لمواقع التواصل الاجتماعي في تحريك الرأي العام.

نصيحتي لكل من يدخل هذا المجال، أن يكون له شخصية، ويختار الكلمة التي تبقى في قلوب الجمهور لسنوات.

لماذا انسحبت من «روتانا»؟

كان الفنان مصطفى أحمد أحد نجوم شركة روتانا، لكنه آثر الانسحاب من الشركة. وحول هذه الخطوة، التي كانت في نهاية الثمانينيات، قال إن آخر ألبوم له كان مع «روتانا» عام 1989، لكنه اتخذ قرارا بالخروج من الشركة، بسبب التوزيع السيئ لألبوماته، التي لم تصل إلى بعض الدول.

وقال مصطفى: «طلب بعض الأصدقاء في البحرين ألبوماتي، وفوجئت بأنها غير متوافرة هناك، لذلك اتخذت قراري بالانسحاب»، لافتا إلى سياسة الاحتكار التي تمنعه من إهداء إحدى الأغنيات القديمة للإذاعة، موضحا أنه وقع العقد دون الانتباه للعديد من الفقرات والبنود التي لم يفهمها، ما اضطره للانسحاب، منتقدا في الوقت نفسه سياسة الاحتكار بوجه عام، معتبرا أنها لا تصب في مصلحة أي فنان، بل تهضم حقه، وتنال من استقراره النفسي، وتحجم إبداعه.

التلحين وقصة أغنية «يا عزوتي»

لم يكتفِ الفنان مصطفى أحمد بالغناء فقط، حيث مارس التلحين لنفسه ولمطربين آخرين غنوا من ألحانه، منهم: حبيب فاضل، فيصل عبدالله، محمد الويس، مبارك المعتوق، حسين جاسم.

ومن أغنياته التي لاقت نجاحا كبيرا في الحفلات العامة والخاصة التي شارك فيها (يا عزوتي يا ترى)، التي غناها عام 1968، من كلمات وألحان إبراهيم الصولة، الذي استخدم فيها إيقاع «القادري»، وهو من الإيقاعات الخاصة بالأغنيات الدينية في الكويت. وجاء استخدامه في الأغنيات العاطفية ضمن خطة تطوير الأغنية الكويتية.

وحرص مصطفى على اختيار ما يناسبه من ألحان وكلمات تعطيه أبعاداً ومعاني صادقة يحس بها، ويعايش كلماتها، ويترنم بلحنها من يقدر قيمة الكلمة وجمال اللحن.

أعمال أضاءت مسيرته الفنية

شارك الفنان مصطفى أحمد في العديد من الحفلات بالكويت، والسعودية، والإمارات، والبحرين، وقطر، وتعاون مع العديد من الشعراء والملحنين، منهم مبارك الحديبي، والشيخ خليفة العبدالله الصباح، ويوسف ناصر، وعبدالرحمن البعيجان، وفهد بورسلي، وخالد العياف، وعبدالله الدويش، وفائق عبدالجليل، وبدر الجاسر، ومحبوب سلطان، ومحمد التنيب، وعبدالأمير عيسى، وسالم ثاني، وإبراهيم الصولة، وغنام الديكان، وأحمد باقر.

وأثمر هذا التنوع عن غزارة في إنتاجه وأغنياته الشهيرة، منها: «وايد وايد»، «يا قمر ليلي»، «يا عزوتي يا ترى»، «قال أحبك أويلاه»، «أهل الهوى»، «الله يا الدنيا»، «ما درينا بك»، «مكتوب علينا»، «البارحة ساهر والدمع يجري»، «بياع الهوى»، «يا عين ماليه»، «يا قلبي انسى»، «ليش أحبك»، «كل يوم تدانا»، «أمانة الله»، «كان عمري»، «سيد القناديل»، «أطق طاري»، و«ليتج سمعتيني».