يمضي كتاب صلاح فضل «أنساق التخييل الروائي»على درب جابر عصفور، مؤكداً أن الرواية قد أصبحت مجمع الفنون الجميلة كلها، يلوذ بها المبدعون في جميع المجالات لينفثوا فيها ذوب تجاربهم الحيوية وخلاصة مغامراتهم الجمالية، مشيراً إلى أن الأعمال الفنية الفذة تمتاز بقدر اجتراحها إلى تقنيات جديدة مبتكرة لم توظف سابقاً، وتصبح مهمة القراء اليقظين، والنقاد منهم خصوصاً، مساءلة هذه الاختراقات، وقياس جدواها الجمالية المؤثرة.

يحتفي الكتاب الذي ضمّ سبعة أقسام هي: التخييل الذاتي، والتخييل الجماعي، والتخييل التاريخي، والتخييل الأسطوري، والتخييل الفانتازي، والتخييل البصري والمشهدي، والتخييل العلمي بأسماء تنشر رواياتها للمرة الأولى، كما نوع جغرافية الكتابة، إذ اختار روايات من مصر، واليمن، وسورية، ولبنان، والكويت، والعراق، والمغرب، وتونس، والإمارات، والسعودية، والسودان، والأردن، وفلسطين.

Ad

ويقول فضل: «تفجرت ينابيع الإبداع الروائي العربي في كل المناطق التي كانت شبه قاحلة أو قاصرة، امتصت نسغ الحياة من أنابيب الثقافة العربية المستطرقة في اللغة وثورة الاتصالات».

ومن بين 52 روائياً، درس الدكتور صلاح فضل أعمال تسع كاتبات، وهن: عالية ممدوح، وإنعام كجه جي (العراق)، ولينا هويان الحسن، وشهلا العجيلي (سورية)، وسلوى بكر، وضحى عاصي، وإقبال بركة، ورشا سمير (مصر)، وبسمة الخطيب (لبنان).

ويستخلص فضل في كتابه تصنيفاً فنياً للأعمال الروائية التي تناولها بالنقد والتحليل، وهي ممثلة لشتى التيارات والأجيال من كتاب الرواية في الوطن العربي.

ويرى فضل أن قيمة الأعمال الإبداعية لا تتحدد وفقاً لطبيعة الوقائع أو المحكيات التي ترويها، مما كان يسمى بالمضمون مباشرة، بل تكمن تحديداً في الأساليب والتقنيات والوسائل الجمالية الكفيلة بتمثيل نبض الحياة ومنظومة قيمها في الأدب.

عصر الرواية

طرح الكتاب بين ثناياه قضية عصر الرواية التي أرجعها فضل إلى موهبة المبدعين، وقدرتهم على الجمع بين أكثر من لون أدبي، مشيراً إلى أن غالبية الروايات التي تناولها الكتاب حازت جوائز مصرية وعربية مرموقة، وأثارت جدلاً ونقاشاً واسعاً بين القراء والنقاد، وبعضها صار يمثل علامات بارزة في عالم السرد، وحقق مبيعات غير مسبوقة في عالم الرواية المعاصرة، مؤكداً أننا نعيش انفجاراً روائياً وهي القضية التي سبق وأثارها عصفور وأرجعها إلى عوامل عدة، من بينها الموهبة وفكرة التسويق والظروف المجتمعية والذائقة الجديدة لدى القراء، مشيراً إلى أن طبيعة المراحل الزمنية الانتقالية ترتبك فيها القيم، وتتسع مساحات المسكوت عنه من الخطاب المجتمعي المقموع، وتفرض هذا النوع المريح المسلي من الروايات الرائجة التي تشبه الأفلام الرائجة، في أنها تريح الأعصاب من القلق والتوتر وتنسي القراء العنف والإرهاب الذي يحيط بحياتهم صباح مساء. غير أن عصفور لا يستبعد فائدة لهذة الروايات فيقول: «للروايات الرائجة فائدتها التي أقر بها، كما أقر أنني لا أجد في قراءتها الغنى النفسي، والمتعة الجمالية التي لا أزال أجدها في كتابات نجيب محفوظ وفتحي غانم ويوسف إدريس وبهاء طاهر وجمال الغيطاني وإبراهيم أصلان إلى جيل أحمد عبد اللطيف وطارق إمام. وكل ميسر لما خلق له، ومن حق كل قارئ أن يبحث عما يريحه وينسيه همومه.

يذكر أن ثمة تجارب عدة لشعراء وفنانين اتجهوا إلى كتابة الرواية. من مصر: الراحل محمد ناجي، وياسر شعبان، وعصام أبو زيد، وسهير المصادفة، وصبحي موسى، وسعيد نوح، وهدى حسين، وياسر عبد اللطيف، ومحمد أبو زيد، وغيرهم، وهم أصلاً شعراء، فصحى أو عامية، والتشكيلي عز الدين نجيب. كذلك نجد الأمر نفسه على مستوى المشهد الإبداعي العربي، فثمة سليم بركات، وفاضل العزاوي، وجبرا إبراهيم جبرا، وصلاح نيازي، وغازي القصيبي، وعبده وازن، وأمجد ناصر، وحسن نجمي، وصموئيل شمعون، وجواد الحطّاب، وخالد مطلك، وسنان أنطون، وشربل داغر، وسلوى النعيمي، وميسون صقر، وأحلام مستغانمي. كلهم كتبوا الرواية وحسبما أشاروا أكثر من مرة في أحاديثهم إلى أن فضاء الرواية يتيح الفرصة لهم لتقديم رؤية أوضح وتفاصيل أكثر عن العالم.