صومنا كمسلمين بدأ منذ فترة طويلة دون الحاجة إلى رؤية الهلال ودون وجود أمل أيضاً في رؤية هلال عيده في المدى المنظور، لأن هذا النوع من الصيام يختلف تماماً عن صوم شهر رمضان المفترض شرعاً والمتمثل بالامتناع عن الطعام والشراب من الفجر حتى غروب الشمس لمدة ثلاثين يوماً مرة في كل عام.

الصوم الطويل الذي نعيشه هو صوم المبادئ وصوم الكرامة وصوم الإحساس بالمسؤولية وصوم الضمير إزاء ما يحدث للقدس الشريف وأبناء فلسطين العزل من النساء والأطفال والشيوخ، فالعموم في العالم العربي والعالم الإسلامي، إلا من رحم ربي، إما التزم صمت القبور وإما ارتعدت فرائصه حتى من إبداء كلمة وفاء وتضامن، أو انشلت جوارحه حتى من التفاعل الوجداني على قتل الطفل الرضيع والرجل الكسيح والمرأة العزلاء.

Ad

ووصلت الحال بالبعض إلى حد الاستشفاء والتحريض على أهل غزة وتحميلهم المسؤولية في تصديهم لأبسط حقوقهم وفي مقدمتها حق اغتصاب أرضهم واستمرار كل أشكال البطش والظلم، ونحن في مدنية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين!

ويأتي الرئيس الأميركي وبكل وقاحة واستهتار ليعلن القدس عاصمة للدولة الصهيونية ليضرب عرض الحائط بكل مزاعم علمانية السياسة الأميركية والفكر الغربي الذي أسس ملكه الجديد على أنقاض ضرب السلطة الدينية وإبعادها عن شؤون السياسة، وليهين العرب والمسلمين في عقر دارهم، وليكافئهم على مئات المليارات التي استولى عليها كالشحاذ البلطجي، دون أن يكون لقادة العالم العربي والإسلامي في عمومهم أي ردود فعل توازي حجم هذه الإهانة والقبح السياسي.

إن ما يحاول البعض التسويق له بأن سكوت بعض الزعماء والنخب السياسية والتيارات ورجال الدين عن الانتصار للقدس والدفاع عن أهل فلسطين منبعه الخوف من ترامب مردود عليه جملة وتفصيلاً، فالقمة الإسلامية في إسطنبول كشفت أن هذا الخوف المزعوم ليس له موقع من الإعراب، وكلمة سمو الشيخ صباح الأحمد في هذا اللقاء التاريخي أبلغ رسالة لمروجي كذبة الخوف السياسي، فالكويت قد لا تكون من الدول العربية الكبيرة في حجمها أو قوة جيشها، ولا تعتبر من دول ما يعرف بالمواجهة، بل إن موقف القيادة الفلسطينية من غزو الكويت واحتلالها عام 1990 كان مشيناً، ومع ذلك كله عبّرت الكويت على لسان أميرها وبعثتها في الأمم المتحدة عن الأصالة والمصداقية والوقوف مع الحق، وأبدت شجاعة في زمن غابت فيه هذه الخصلة من الشهامة، وفندت أكذوبة الخوف من رعونة سياسة ترامب التي باتت تنفضح يوماً بعد يوم بأنها لا تتعدى بالوناً فارغاً، فيكفيك يا "بو ناصر" فخراً أنك لسان مئات الملايين من البشر حول الأرض، وكتبت شهادة صادقة للتاريخ والإنسانية بأن الحق لا يضيع ما دام وراءه مطالب!