لم يعتد المشاهد أو المستمع في دولة الكويت أو الخليج غياب الفنان عبدالحسين عبدالرضا عن الدورة الرمضانية، لأن الراحل كان شديد الحرص على الإطلالة الرمضانية تلفزيونياً أو إذاعياً، نظراً لارتباط أعماله بهذا الشهر الكريم منذ عقود، وإن كان شهد غيابه في فترات سابقة لأسباب صحية أو عدم توافر عمل جيد يطل من خلاله على مريديه. ومع حلول شهر رمضان سنقترب من الذكرى الأولى لوفاة النجم الكبير بوعدنان الذي فقده محبوه في شهر أغسطس من العام الماضي، و"الجريدة" تستذكر عملاق الكوميديا الخليجية عبر خمس حلقات تسلط الضوء فيها على مجموعة شخصيات جسّدها بوعدنان خلال مشواره الممتد نحو 60 عاماً من الإبداع والتألق والنجومية. وعقب حلقتين، تناولنا فيهما بدايات هذا الفنان الكبير، ثم شخصية حسين بن عاقول في مسلسل درب الزلق، ذلك الشاب الحالم الطموح الذي اشتهر بالمشاكسة والغرابة فانتفض على فقره متكئاً على قوة الإرادة وحب المغامرة والفطنة، نسلط الضوء على شخصية شارد بن جمعة التي أداها بوعدنان في مسرحية "باي باي لندن"، التي تعد من أبرز الأعمال في المسرح الخليجي والعربي، لاسيما أنها ضمت نجوماً من الكويت ومصر وتونس في التمثيل، والتأليف، والإخراج. وإضافة إلى ذلك، نستعرض شخصية المهندس نوح في "درس خصوصي"، ذلك الشاب الطموح الذي يتعرض لظروف صعبة بعد زواجه فتاة سعت إلى الارتباط به، فلم يصمد الحب الذي جمعهما أمام التحديات التي تعرضا لها. إلى ذلك، نضع تحت بؤرة الضوء حكاية تربوي متقاعد في مسلسل "الحب الكبير" يدق ناقوس الخطر حينما يرى أن مَثَل "باب النجار مخلع" ينطبق عليه، فهو الرجل التربوي الناجح خارج بيته، في حين يعاني أولاده وأحفاده العديد من المشاكل، فيقرر إصلاح الوضع والاستمرار في ممارسة دوره التربوي الأهم. ويركز المسلسل على إيصال رسالة للنشء بضرورة تحمل المسؤولية، والتركيز على مستقبلهم، وعدم الانسياق وراء المظاهر الخداعة... وفيما يلي التفاصيل:

جّسد الفنان عبدالحسين عبدالرضا أحد أبرز أعماله على خشبة المسرح في مسرحية "باي باي لندن"، إذ أدى شخصية شارد بن جمعة الرجل الذي يغادر الكويت ذاهباً إلى لندن بحثاً عن الراحة والاستجمام وتمضية وقت جميل في عاصمة الضباب فيكون في استقباله ابن أخيه صافي ومعه زميلته وفاء، ووفقاً لما جاء في البرقية التي تسلمها صافي يخبره عمه أنه يريد الطبابة في لندن، لكن حينما وطئت قدما شارد بن جمعة أرض لندن وشاهده صافي توجّس خيفة لأنه اكتشف أن عمه لا يعاني أي مرض بل جاء للبحث عن الوناسة.

Ad

عقب ذلك يرسل صافي برقية إلى زوجة عمه سبيكة التي تجسد دورها الفنانة مريم الغضبان، يخبرها بضرورة الحضور فوراً إلى لندن، ويقرر صافي مراقبة عمه وبمساعدة من وفاء، ولكن هذه المراقبة ستكون من خلال خدعة، إذ سيقومان بتبديل أشكالهما وأسمائهما لكي لا يكتشف العم أمرهما، ويكون بذلك تحت نظرهما، ويراقبان تصرفاته وسلوكياته عقب التعرف على الفندق الذي يسكن فيه. وعقب ذلك تعرف شارد بن جمعة على آدم في مشهد يمزج بين الطرفة والتهكم، إضافة إلى النقد الساخر لبعض الأمور، ويدخل غانم الصالح الذي كان يؤدي شخصية نهاش فتى الجبل، بملابسه التقليدية الدشداشة والبشت والشماغ والعقال ويتحدث بلهجة بدوية، ويدور حوار بينه وشارد بن جمعة لا يخلو من البعد السياسي عن الواقع العربي ضمن إطار كوميدي ساخر، وينبهر شارد بقدرة نهاش ودرايته بشؤون السياحة في لندن، لاسيما أنه قرر شراء الفندق الذي يسكن فيه شارد، وأثناء حديثهما عن المشاريع التجارية يأتي صافي متخفياً باسم العربي الصديقي من المغرب وحينما يتعرف شارد بن جمعة على اسمه يقول: "هذي حالة وين الله يوفقني يالله يالله حفظنا نص اسم هذا نهاش، والحين ردينا على الصندليقي".

تمضي أحداث المسرحية، وتظهر وفاء متخفية باسم جانيت وتقابل شارد ويحاول مخاطبتها باللغة الإنكليزية التي يحفظها في مشهد مغلف بالكوميديا ومفعم بالنقد اللاذع لمستوى التعليم. وتستمر الأحدث بين أخذ ورد، إلى أن تصل سبيكة وابنتها إلى لندن وتجد زوجها في الفندق، لكنه يهرب بعد مشاهدتها فهو هرب منها في الكويت والآن لحقت به في لندن، فيشعر أنهم يحكمون الحصار عليه، فهم يكبلون رغباته بأصفاد عاداتهم التقليدية وأسوار جشعهم وحبهم على الاستحواذ على أمواله، هكذا كان يظن شارد، فيتوارى عن أنظارهم بغية العيش بهناء وسعادة لم يجدها بين أسرته، فيغدق في صرف المال ويجتمع حوله عدد من المحتالين الذين يريدون سلبه ثروته ويتعرض فعلاً لعملية نصب واحتيال.

وفي مشهد آخر لا يقل أهمية وروعة عن المشاهد الأخرى، يصارح نهاش فتى الجبل صديقه شارد بأنه بصدد عقد صفقة أسلحة لمصلحة إحدى الدول العربية، فيأخذ شارد كشف الأسلحة ويبدأ قراءة محتوياته، إذ يضم الكشف طائرات سبورت سريعة جداً وخصوصا وقت الهرب من المعارك، ومدافع لأربع "زرائر" نص هارتوب وصفارات إنذار بألوان زاهية تصلح للغارات لها صوت موسيقي يساعد على النوم العميق، ودبابة من قطعتين مع استريو إف إم بمدفع ذهب عيار 22 أصلي، ورادار من النوع المتطور جداً لا يسمع ولا يرى ولا يؤشر إلا بعد أن يتم قصف المكان.

وتمضي أحداث المسرحية، ويستطيع المشاهد التعرف إلى قدرة عبدالحسين عبدالرضا على التقاط الإفيه بتقنية نادرة وحذق منقطع النظير، فهو يربط بين أحداث العمل وما يحدث على الساحة العربية في تلك الفترة، فتارة ينتقد التشتت العربي والفرقة التي أحكمت قبضتها على أبناء العمومة، وأخرى يتهكم على الأموال التي ينفقها العرب في الدول الغربية على أمور تافهة ولا تعتبر من الأولويات، وكل هذه المشاهد تأتي ضمن قالب كوميدي اجتماعي لا يسقط في فخ المباشرة بل يأتي محلقاً بجناحي الرمزية والتهكم.

شكلت المسرحية نقلة نوعية في مشوار الفنانين داود حسين وانتصار الشراح، فقد قدمهما الفنان عبدالحسين عبدالرضا بطريقة جميلة، ومنحهما مساحة كبيرة في العمل، وفي المقابل كانا على قدر المسؤولية، وأجادا ولم يخب ظن بوعدنان فيهما. ضمن هذا السياق، تقول الفنانة انتصار الشراح إن "للفنان والنجم القدير عبدالحسين عبدالرضا له دور كبير في النجومية والشهرة، كما أن لمسرحية باي باي لندن الفضل في إحداث نقلة نوعية في مشواري وانتقائي لأدواري في مرحلة لاحقة". وفيما يتعلق بتفاصيل ظروف انضمامها لمسرحية باي باي لندن قالت: "كانت هذه المشاركة في عام ١٩٨١، اذ سارت الأمور بالمصادفة بلا ترتيب، وكان بوعدنان قرر الاستعانة بوجوه جديدة إلى جوار النجوم الكبار في مسرحية (باي باي لندن)، وكما هو معروف ان الفنانين المشاركين في المسرحية غانم الصالح ومريم الغضبان وعلي المفيدي، وعقب تباحث الفنان عبدالحسين عبدالرضا والمخرج التونسي المنصف السويسي اقترح الأخير اسمي أنا وداود حسين للمشاركة في المسرحية، وكان هذا الترشح نابعا من معرفة السويسي بنا لأنه كان يدرسنا مادة التمثيل والإخراج في المعهد العالي للفنون المسرحية. ومن هناك كانت البداية الحقيقية والانطلاق إلى عالم النجومية التي عرفتها وأنا طالبة في معهد التمثيل". أما النجم عبدالحسين عبدالرضا، فكان يقول عن مسرحية "باي باي لندن" إنه عرضها في عيد الفطر فكانت هذه المناسبة فألاً حسنا بالنسبة إليه، وقدم أيضاً أعمالاً أخرى في هذه المناسبة وكان مصيرها النجاح والتوفيق، ويرى أن المسرحية ضاعفت من شهرتة خليجياً وعربياً لاسيما أنها استمرت في العرض أكثر من 5 أشهر، وهذا يعني مدى نجاحها وتفوقها. ومن المعروف أن الفنان عبدالحسين عبدالرضا دأب على تقديم أعماله المسرحية في عيد الفطر، ومن هذه الأعمال "مراهق في الخمسين" و"سيف العرب" و"فرسان المناخ" و"عزوبي السالمية" و"على هامان يافرعون".

قدّم فريق العمل مسرحية كوميدية ساخرة من الدرجة الأولى، فكان الأداء متقناً لا يشوبه شائبة، لاسيما أن ثمة رسائل مهمة تضمنتها المسرحية تدعو إلى إعادة تقييم العلاقات العربية، وضرورة التعاضد والتكاتف والتماسك والوثوب على الخلافات الجانبية والتمترس حول القضايا المهمة التي تحدد مصير أبناء الوطن العربي، والتنبه إلى أن النصب والاحتيال ليس حكراً على العرب، بل ربما يكون بعض الغرب كذلك، فهم ينتظرون فرصة الانقضاض على الدول العربية ونهب ثرواتها وأموالها بشكل فردي أو جماعي.

يشار إلى أن فريق مسرحية "باي باي لندن" يتألف من عدد من النجوم منهم الفنان عبدالحسين عبدالرضا، وغانم الصالح، وهيفاء عادل، وداود حسين، ومريم الغضبان، ومحمد جابر، وانتصار الشراح. وهي من تأليف: نبيل بدران، وإعداد: الفنان عبدالحسين عبدالرضا، والإخراج المسرحي: المنصف السويسي، والاخراج التلفزيوني: كاظم القلاف. يذكر أن نبيل بدران مصري الجنسية وهو كاتب ومؤلف وناقد مسرحي من مواليد عام 1941 بمحافظة القاهرة، تخرج في قسم النقد بأكاديمية الفنون عام 1965، وشارك بكتابة عدد من المقالات النقدية، كما كتب فى عدة مطبوعات عربية، وكان أول عمل مسرحي له "البعض يأكلونها والعة"، ثم قدّم أعمالاً أخرى منها منها "بولوتيكا"، و"ألو يا أرض"، و"باي باي لندن"، ووافته المنية عام 2004.