أعطت عائلة الصدر العراقية، غير مقتدى الذي برز كأهم قائد عراقي في هذه المرحلة التي تعتبر انعطافة سياسية في تاريخ بلاد الرافدين الحديث، كلاً من محمد باقر الصدر، الذي تم إعدامه في عهد النظام العراقي السابق عام 1980، ومحمد محمد صادق الصدر الذي اغتيل عام 1999 في عهد هذا النظام نفسه، وأيضاً السيد موسى الصدر الذي لمع كقائد سياسي وكمرجع ديني للشيعة اللبنانيين، وهو مؤسس حركة "أمل" اللبنانية، والذي ذهب إلى ليبيا في عام 1978 بدعوة من العقيد معمر القذافي واختفى هناك في ظروف غامضة، قيل عنها الكثير خلال كل هذه السنوات الطويلة.

كان اسم مقتدى الصدر قد لمع مبكراً، قبل وبعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003، لكنه بعد تحقيق كتلته البرلمانية "سائرون" كل هذا الفوز المميز في الانتخابات الأخيرة؛ أصبح الزعيم الوطني في بلاد الرافدين، بلا أي منازع، وأصبح أيضاً قائداً عربياً مرموقاً يحظى بالاحترام والتقدير في كل الدول والأقطار العربية. والحقيقة أنه بتوجهاته ومواقفه قد غيّر الكثير من المفاهيم والانطباعات الخاطئة عن شيعة العراق والشيعة العرب، وفي كل الدول الإسلامية التي يوجدون فيها، مما أصبح يعد ويعتبر عملية تصحيحية وإصلاحية بالنسبة لهذه الطائفة الإسلامية الكريمة، التي لها كل المحبة والتقدير والاحترام.

Ad

آخر ما سمعناه من هذا القائد العروبي الذي يوصف، وهو كذلك، بأنه يشبه سهماً منطلقاً من قوس مشدودة الوتر، أنه لا يريد الحكومة العراقية الجديدة، التي تسعى "سائرون" لتشكيلها، كـ "خلْطة العطّار"، أي أنه لا يريد أن تكون هذه الحكومة مجرد لوحة فسيفسائية تمثل قوى متعددة لا يجمعها جامع، وكلٌّ يسعى لمصالحه الخاصة، في حين أن بعضها له ارتباطات خارجية إقليمية... وأيضاً دولية.

إن مقتدى الصدر غيرُ معادٍ لإيران، لكنه يريد العلاقات معها على أساس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، وعدم تدخل أي طرف في الشؤون الداخلية للطرف الآخر. وهكذا، فإنه يرفض المحاصصة الطائفية والمذهبية، وهو يتمسك بأن العراق دولة عربية، وأن شعبها بأكثريته شعب عربي، وأن قضايا العرب الأساسية والقومية هي قضايا عراقية، وفي مقدمتها بالطبع القضية الفلسطينية.

ثم، إن ما يبشر العراقيين والعرب وشعوب هذه المنطقة كلها أن هذا التوجه، أي توجه "سائرون" والسيد مقتدى الصدر، إنْ لم تتكالب عليه القوى والمجموعات، وأيضاً الدول المصابة بالأمراض الطائفية والمذهبية، التي غدت مستشرية ومتجذرة، سيضع العراق على الطريق الصحيح الذي بقي يحيد عنه، على مدى سنوات طويلة، وأن العرب كلهم في كل أقطارهم، ومعهم المسلمون في بلدانهم كلها، سوف يتأثرون إيجاباً بإنجازات هذا المصلح الكبير، كما تأثروا بعطاءات مصلحين كثر لا تزال أسماؤهم حاضرة عربياً وإسلامياً، وأيضاً دولياً. هذا رغم ظلام العنف والتطرف والتمذهب الذي بات يغشى هذه المنطقة... بل العالم بأسره.