عندما أعلن الرئيس الأميركي ترامب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني، أوضح موقفه الرافض للاتفاق وأوجز قائمةً طويلةً من الشكاوى حول السياسات الإيرانية، إلا أنه لم يعالج السؤال الأكثر أهميةً و،هو: ما سياسة الولايات المتحدة تجاه إيران بالتحديد؟

منذ عقد تقريباً كانت المسألة النووية تضغط على المداولات حول السياسة العامة الأوسع نطاقاً تجاه إيران، ومع ذلك لا يمكن فصل برنامج إيران النووي عن استراتيجيتها الشاملة للأمن القومي التي تركز على نشر قوة غير تقليدية تتجاوز الحدود الإيرانية.

Ad

لا تنطلق المخاوف الأميركية بشأن المساعي النووية الإيرانية من موقفٍ مبدئي معارضٍ لانتشار أسلحة الدمار الشامل فحسب، بل من قلق عميق بشأن سلوك النظام الإيراني ونواياه، وقد ننسى أنه قبل إبرام الاتفاق النووي- المعروف أيضاً باسم «خطة العمل الشاملة المشتركة»- كان حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط يخافون من سياسات إيران الإقليمية أكثر من مساعيها النووية.

وكان أبرز الانتقادات لـ»خطة العمل الشاملة المشتركة» هو تركيز الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما على المسألة النووية دون القضايا الأخرى، فضلاً عن أن الاتفاق نفسه أرسى هذا التركيز عبر مقايضة تخفيف العقوبات الشامل بتقيّد طهران بشروط الحلفاء في المجال النووي فحسب، ومن المفارقات أنّ ترامب قد يكرّر الخطأ نفسه، عبر تشديده أولاً على ضرورة تصويب الاتفاق، وعبر إصراره اليوم على ضرورة التفاوض على اتفاق جديد.

وأعلن ترامب بوضوح احتقاره لـ»خطة العمل الشاملة المشتركة» وتشكيكه في أي تقارب محتمل مع إيران، فغير بذلك سياسة أميركا تجاه هذا الموضوع.

ويتطلب تغيير هذا الواقع إعادة النظر بشكل أعمق في سياسة الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط كذلك، وتحتاج واشنطن إلى التخلي عن المناقشات السياسية بمفهوم الأسود والأبيض، أو القبول الشامل أو الرفض القاطع التي سادت منذ حرب العراق، والبحث بمزيد من الجدية عن نهج وسطي يقتضي مشاركةً أكبر للولايات المتحدة في أزمات المنطقة من دون القيام بأي التزامٍ مفرط.

وعلى واشنطن كذلك إدراك أهمية اعتماد سياسات أميركية في الشرق الأوسط تكون ضروريةً لمستقبلها الاستراتيجي في آسيا وأوروبا، إذ غالباً ما يعتمد حلفاء الولايات المتحدة على واردات الطاقة من الخليج وينشغلون بالتهديدات الإرهابية الناشئة عن المنطقة.

لمواجهة إيران بفاعلية أكبر، على واشنطن التعمق في مجموعة أدواتها السياسية بما يتجاوز العقوبات الاقتصادية، كتعزيز القوة العسكرية المحدودة عبر الإبقاء على وجود أميركي ضيق النطاق في سورية، وتمكين الحلفاء المحليين، والتهديد باستخدام القوة الجوية الأميركية لمنع الغطرسة المتمادية من إيران ووكلائها في سورية.

ويمكن تعزيز فعالية الإجراءات هذه بالتنسيق مع شركاء دوليين، فمن جهة يمثّل الانسحاب من الاتفاق النووي الوصول الى نهاية الطريق، ومن جهة أخرى تعتبر هذه الخطوة أحدث نهج في مواجهة إيران التي تستبيح المحرمات منذ عقدين من الزمن، رغم استياء صانعي السياسات في الولايات المتحدة، ولا يتطلب النجاح هنا مجرد وضع خطةً لإعادة فرض العقوبات على أمل استدراج إيران ثانية إلى طاولة المفاوضات، بل استراتيجيةً تعالج بشكل فاعلٍ التحديات الواسعة والمتنامية في الشرق الأوسط والتي تؤدي فيها إيران دوراً كبيراً.

* «فورين أفيرز»