رمضان دعوة إلى الحياة البسيطة الزاهدة وتذكيرنا أننا يمكننا العيش بسعادة ورضا دون الحاجة إلى الكثير، فهل سنُطهّر أنفسنا من الإسراف وكثرة الشراء والاستهلاك؟ تتسامى النفوس بالتخلي عن التعلق بالحياة المادية ومعرفة أن هناك أموراً أكثر عمقاً وقيمة ما وراء عربات التسوق الممتلئة والفساتين الباهظة الثمن.

رمضان شهر الرحمة والتعاطف، فهل سنتذكر أن تشمل رحمتنا الطير والنبات والحيوان؟ أم هل سيستمر صغارنا في اقتلاع كل أخضر وإدماء كل حيوان تقع أعينهم عليه، ويقوم كبارنا بتسميمها أو قتلها عبثاً تحت مسمى «هواية» الصيد؟ وهل سيفتح صيامنا أعيننا وأفئدتنا على آلام الآخرين الأقل حظاً من تلك الأسر المتعففة وأولئك الوافدين الذين نهاجمهم بشدة على مدار العام، على الرغم من قسوة حياة الغالبية العظمى منهم؟ لدينا فائض كبير من الطعام والأموال، فلنشاركه مع تلك الأرواح المسكينة.

Ad

هل سيكون رمضان فرصة للتواصل ولمّ شمل العائلة والأحباب؟ أم هل سنراه فرصة أخرى للتكلف والزيف في الزيارات المختلفة و»القرقيعان» والعيد؟ وهل سنحفظ ألسنتنا من المؤذي من القول والتدخل في شؤون الآخرين، خصوصاً ممن لم نرهم منذ العام الماضي لكننا لسببٍ أو لآخر نشعر بالأحقية أن نعرف كل صغيرة وكبيرة في حياتهم؟!

الجوع الحقيقي هو جوع الأنفس التي تتوق إلى اللب والجوهر في زمن القشور البراقة؛ فهل رمضان شهر صيام الأفواه أم الأفئدة؟ وهل سيكون رمضان مجرد صوم عن الطعام يلحقه إتخام الأجساد بالأطعمة إلى حد الخمول والعجز عن الحركة؟! في شهر الهدوء والسكينة فرصة لأن نتفحص ذواتنا ودوافعنا التي تحركنا نحو التصرف بطريقة معينة.

قد نحتاج للصيام أكثر من غيرنا من الشعوب، نحن المرفهون المدللون، فطلباتنا أوامر على مدار الساعة والسنة، وبدلاً من التقدم الحقيقي فقد خلقت بحبوحتنا الاقتصادية شخصيات مزاجية مستحيلة تفتقر إلى التعاطف ووضع نفسها مكان الآخر الأقل حظاً بكل أسف. قد يخرجنا الصيام قليلاً عن فقاعة الرفاهية السيريالية تلك!

الصيام تقويم للأخلاق؛ فهل سيلهمنا الشهر الفضيل كي نحيا حياة نزيهة خالية من الغش والوساطة والفساد؟ أم هل سيكون الصيام عذراً آخر للكسل وتأجيل العمل؟ كلها ذنوب وجرائم أخلاقية فادحة لا تقل شناعتها لمجرد اعتياد مجتمع ما عليها.

الروحانية الحقيقية هي حالة وجدانية عميقة أرقى من التكفير وإطلاق الأحكام على الآخرين، هي التسامح الذي يسمو بنا بعيداً عن «الأنا» لنستشعر أننا متساوون مع الآخرين بالإنسانية، وأننا لسنا ملوك هذا العالم ولا محور الكون.

* «الصوم نظام يمنح الإنسان قوة في مواجهة أشد الميول الغريزية والفردية في نفسه، ويجعله مسيطراً عليها في طريق الإيمان». (علي شريعتي)