هو نبي، قتله قومه فعاقبهم الله تعالى بالدمار والهلاك، ذكره الحافظ أبوالقاسم بن عساكر في أول كتابه "تاريخ دمشق" بأن اسمه "حنظلة بن صفوان"، أرسله الله إلى أصحاب الرس فكذبوه وقتلوه، وذكره ابن كثير في "قصص الأنبياء" في معرض حديثه عن الأقوام الذين أهلكهم الله تعالى، وجاء ذكرهم في (سورة الفرقان: 38- 39): "وَعَاداً وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيراً، وَكُلا ضَرَبْنَا لَهُ الأَمْثَالَ وَكُلّاً تَبَّرْنَا تَتْبِيراً".

وقد اختلف أصحاب التفاسير في تحديد هوية أصحاب الرس، لكنهم اتفقوا على أن "الرس" بئر عظيمة، أو حفرة كبيرة، وقال القرطبي، إن "الرس" في كلام العرب، هي البئر التي تكون غير مطوية، أي غير مبنية، وقال عكرمة، الرس بئر رسّوا فيها نبيَّهم، أي دفنوه فيها حياً.

Ad

وقد ذكر أبوبكر مُحَمد بن الحسن النقاش، أن أصحاب الرس، كانت لهم بئر ترويهم، وكان لهم ملك عادل حسن السيرة، فلما مات، حزنوا عليه حزنا عظيما، فلما كان بعد أيام تصوّر لهم الشّيْطان في صورته، وقال: إني لم أمت، لكن تغيبت عنكم حتى أرى صنيعكم، ففرحوا أشد الفرح، وأمر بضرب حجاب بينهم وبينه، وأخبرهم أنه لا يموت أبداً، فصدق به أكثرهم وافتتنوا به وعبدوه، فبعث الله فيهم نبياً، فأخبرهم أن هذا شيطان، يخاطبهم من وراء الحجاب، ونهاهم عن عبادته، وأمرهم بعبادة الله وحده لا شريك له.

قال السهيلي: وكان هذا النبي يوحى إليه في النوم، وكان اسمه حنظلة بن صفوان، فَعَدوْا عليه فقتلوه، وألقوه في البئر، فغار ماؤها، وعطشوا بعد ريهم، ويبست أشجارهم، وانقطعت ثمارهم، وخربت ديارهم، وهلكوا عن آخرهم.

وقيل: سموا أصحاب الرس، لأنهم رسوا نبيهم في الأرض، وكانت لهم اثنتا عشرة قرية على شاطئ نهر، يقال له "الرس" من بلاد المشرق، ولم يكن يومئذ في الأرض نهر أغزر ولا أعذب منه، ولا قرى أكثر ولا أعمر منها، وكانوا يعبدون شجرة، وبعث الله نبيا من بني إسرائيل، من ولد يهودا بن يعقوب، فلبث فيهم زمانا طويلا، يدعوهم إلى عبادة الله عز وجل، فلا يستجيبون، فلما رأى شدة تماديهم في الغي، قال: يا رب إن عبادك أبوا إلا تكذيبي، وغدوا يعبدون شجرة لا تضر ولا تنفع، فأيبس شجرهم أجمع، وأرهم قدرتك وسلطانك، فأصبح القوم وقد أيبس شجرهم كلها، فهالهم ذلك، وأجمعوا رأيهم على قتله، فنزحوا ماء البئر، ثم حفروا في قرارها بئرا عميقة، ضيقة المدخل، وأرسلوا فيها نبيهم، وسدوها بصخرة عظيمة، وظلوا يومهم يسمعون أنين نبيهم، حتى مات، فجاءتهم ريح عاصف شديدة الحمرة، وأظلتهم سحابة سوداء، فألقت عليهم جمرا، أذابت أبدانهم كما يذوب الرصاص بالنار.