ظاهريا يبدو أن الأمية الجماعية هي شر يمكن القضاء عليه بسهولة، وأن تحقيق ذلك الهدف لا يتطلب اختراقا تقنيا أو اكتشافا علميا، ومع وجود التمويل للمعلمين الجيدين والمدارس الجيدة، فإن بإمكاننا توفير التعليم لجميع الأطفال حيث نحتاج فقط إلى حشد الإرادة السياسية للعمل.

لكن التعليم الشامل بقي هدفاً استعصى على البشرية تحقيقه، وحتى بعد أن أصبح تحقيقه هدفاً مشتركاً على مستوى العالم، واليوم هناك 750 مليون بالغ- ثلثاهم من النساء- يعانون الأمية كما يوجد 260 مليون طفل ليسوا في المدرسة.

Ad

فالتعليم هو حق أساسي منصوص عليه في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948 ومعاهدة سنة 1989 المتعلقة بحقوق الطفل، وقد تم ترسيخه كذلك في الإعلان العالمي المتعلق بالتعليم للجميع لسنة 1990 في قمة جومتين في تايلند، وفي منتدى التعليم العالمي في دكار في السنغال سنة 2000.

وإن تحقيق التعليم الابتدائي الشامل كان أحد أهداف تنمية الألفية للأمم المتحدة لسنة 2015، حيث تم تضمين التعليم الشامل منذ ذلك الوقت في أهداف التنمية المستدامة لسنة 2030، ورغم هذه الالتزامات لم يحقق المجتمع الدولي النجاح بعد مع أطفال العالم، فبالإضافة إلى أولئك الذين لم يلتحقوا بالمدرسة على الإطلاق هناك 500 مليون طفل لا يتلقون حاليا أكثر من التعليم الابتدائي، وهو غير كاف بحد ذاته في كثير من الأحيان، وبحلول سنة 2030- السنة التي وعد فيها العالم بتوفير التعليم الابتدائي والثانوي للجميع– فإن هناك ما يقدر بثمانمئة مليون إنسان سيدخلون مرحلة البلوغ بدون المؤهلات الضرورية للقوى العاملة العصرية والعديد منهم سيكونون أميين.

إن المستوى التعليمي في عدة مناطق حول العالم هو أقل بكثير مما نحتاجه، ففي إفريقيا على سبيل المثال هناك تقديرات بأن النتائج التعليمية اليوم تتخلف مئة سنة عن تلك الموجودة في البلدان ذات الدخل المرتفع، ونتيجة لذلك تعمقت الانقسامات بين نصف أطفال العالم الذين بإمكانهم الوصول إلى تعليم راق، والنصف الآخر الذي لا يستطيع ذلك، وفي حين تمكن جيل سابق من السفر للقمر، فقد فشل جيلنا حتى في توفير غرفة صفية لجميع الأطفال الموجودين على الأرض.

وعليه فقد حان الوقت لعمل جريء ومبتكر، ومن أجل تحقيق ذلك أطلقت المفوضية الدولية لتمويل الفرصة التعليمية العالمية التي أترأسها تسهيلات التمويل الدولية للتعليم، وذلك كإعلان حرب على الأمية الجماعية وشرور عمالة الأطفال وزواج الأطفال والتمييز ضد الفتيات، وإن عدم قدرة ملايين الفتيات على الحصول على حقهن الأساسي بالذهاب للمدرسة بسبب التمييز والاستغلال يعني أن التعليم الشامل هو صراع الحقوق المدنية الخاص بجيلنا.

إن مفوضية التعليم تشن هذه الحرب باستخدام الحلول التمويلية الأكثر ابتكارا، وتسهيلات التمويل الدولية للتعليم تحشد التمويل العام والخاص، وتعمل على ترتيب التعاون الدولي، وتقود شراكة متعددة الجنسيات لجعل التعليم متاحا للجميع. لقد وضعت تسهيلات التمويل الدولية للتعليم موضوع التعليم الشامل في طليعة خطة البنك الدولي لزيادة التمويل التنموي من "مليارات إلى تريليونات"، وبالإضافة إلى مضاعفة تمويل المانحين فهي تدعم البلدان الملتزمة بإصلاح أنظمتها التعليمية؛ مما يعني التحقق من أن كل دولار يتم إنفاقه هو من أجل تحقيق نتائح ملموسة، علما أنه من خلال تسهيل الاستثمار الأضخم في التعليم على مر التاريخ، ومن خلال تشجيع الدول النامية على إنفاق المزيد، فإن من الممكن أن توفر تسهيلات التمويل الدولية للتعليم مع مرور الوقت 20 مليون غرفة صفية إضافية للأطفال حول العالم.

وكل من البنك الدولي وبنك التنمية للدول الأميركية وبنك التنمية الإفريقي وبنك التنمية الآسيوي والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية قد التزمت باستخدام تسهيلات التمويل الدولية للتعليم، وذلك للاستفادة من التبرعات، علما أن تلك الجهود ستكون مكملة لعمل مؤسسة الشراكة الدولية من أجل التعليم، وصندوق التعليم الذي لا يمكنه الانتظار، ووكالات الأمم المتحدة التي تعمل في مجالات التعليم، كاليونسكو واليونسيف ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية والمفوض السامي التابع للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. وإن طلب تسهيلات التمويل الدولية للتعليم من الحكومات زيادة استثماراتها في التعليم كشرط للحصول على أموال الجهات المانحة يعني أنها تعد بتقديم 4 دولارات أميركية من الموارد التعليمية الإضافية مقابل كل دولار أميركي يتم التبرع به، فهدفنا الرئيس يتمثل في التركيز على دول إفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية ذات الدخل المتوسط الأدنى والتي يعيش فيها غالبية الأطفال غير الملتحقين بالمدارس، وغالبيتهم من اللاجئين، فهذه الدول تستضيف نحو 700 مليون طفل، ووسط هؤلاء يوجد ملايين الأطفال الذين لا يلتحقون بالمدارس.

للأسف أقل من 1% من تمويل بنك التنمية يذهب حاليا للتعليم في الدول الأميركية والآسيوية ذات الدخل المتوسط، وكنتيجة لذلك فإن هذه البلدان تواجه خيارا صعبا للغاية، وهو إما وقف إرسال الطلاب للمدارس وإما اقتراض الأموال بأسعار أعلى بكثير مع مخاطرة تراكم ديون غير مستدامة. أما بالنسبة إلى المستقبل فحان الوقت أن تتدخل الدول المانحة بالاستجابة لطلباتنا المتعلقة بضمانات مالية لتسهيلات التمويل الدولية للتعليم الخاصة بنا، ونحن حاليا نناقش مع 20 مساهما محتملا، حيث نقوم بالتركيز على رسالة مفادها أننا لو حققنا التعليم الشامل فإن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في أفقر الدول سيرتفع بنسبة 70% تقريبا بحلول سنة 2050 مقارنة بالتوجهات الحالية، وإن معدلات الفقر المدقع ستنخفض بمقدار الثلث، كما أن الانخفاض في معدل الوفيات قياسا بعدد سنوات الحياة الإضافية سيكون مساويا لما هو متوقع لو تمكن العالم من القضاء على نقص المناعة المكتسبة والملاريا.

ومن الأمور التي لا تقل أهمية عما ذكر أعلاه هو أن الشباب سيكونون مستعدين بشكل أكبر لسوق العمل المستقبلي وسيكونون في وضع يؤهلهم ليصبحوا الجيل القادم من المبتكرين والمعلمين والقادة، والجميع سيكون لديه فرصة تحقيق إمكاناتهم الكاملة.

مع وجود حلول تمويلية مبتكرة فإن ما كان مستحيلا قد أصبح ممكنا، وما كان بعيدا قد أصبح الآن في متناول أيدينا، يجب أن يكون هذا الجيل هو أول جيل في التاريخ يتحقق من أن جميع الأطفال يتلقون التعليم الذي هو أحد حقوقهم الأساسية.

* غوردن براون

* رئيس وزراء ووزير مالية سابق في المملكة المتحدة، وحاليا مبعوث خاص للأمم المتحدة للتعليم العالمي ورئيس المفوضية الدولية لتمويل فرصة التعليم العالمي.

«بروجيكت سنديكيت، 2018» بالاتفاق مع «الجريدة»