لم ينجح رئيس الوزراء السابق نوري المالكي في اختتام حملته الانتخابية بدون العودة إلى أسلوب التهديد للخصوم، فرغم أنه مجرد من وسائل القوة التقليدية التي اعتادها طوال ثمانية أعوام هي مدة حكمه، فإنه أعلن، بعصبية وتوتر، خلال لقاء تلفزيوني، أن نتائج الانتخابات «إذا لم تعكس إرادة الشعب فستؤدي إلى حرب أهلية»، وهو أقوى تعبير بين كل التصريحات التي أطلقت بشأن الاقتراع النيابي المقرر اليوم.

ويترجم العراقيون هذه العبارة بسهولة، حيث يقصد المالكي، أن الإرادة الشعبية يفترض أن تمنحه نفس أصوات 2014، وإلا فإنه سيطعن في النتائج بمستوى قد يرتقي إلى احتراب أهلي، لكن المراقبين يقللون من جدية ما قاله، خاصة أنه لا يمتلك أدوات تنفيذه، ويقول هؤلاء، إن المالكي اعترف بطريقته الخاصة بخسارة مسبقة، بعد أن بدا واضحاً أنه لا يمتلك خطاباً يمكنه النجاح مع جمهور حزب الدعوة التقليدي الذي أصبح مقتنعاً برئيس الحكومة الحالي حيدر العبادي، الذي يتبنى نهجاً إصلاحياً في إدارة أزمات البلاد.

Ad

ونفى العبادي تصريحاتٍ للمالكي أكد فيها أنهما سيتحالفان بعد الانتخابات، لأن هذا التحالف، إن تم، سيمثل نقطة تحبط الجمهور الذي يؤيد العبادي بوصفه معترضاً على نهج المالكي.

وأعلن رئيس الحكومة أن المالكي ارتكب أخطاء وخرق التزامات وبات أي اتفاق مفترض معه في حكم الملغى، واستخدم العبادي عبارات تبدو جافة وجارحة في إعلانه الذي رسم المدى الأقصى من الجفاء بين الرجلين، قبيل واحدة من أصعب وأهم تجارب الاقتراع النيابي في البلاد.

ويحظى العبادي بدعم واسع من أبرز القوى الوطنية والعلمانيين، وأيضاً رجال الدين الشيعة في النجف، الذين يحاولون كبح جماح طهران وتحجيم نفوذها، بينما يمثل المالكي في العادة رمزاً للفصائل والأجنحة المقربة إلى طهران.

ولايزال المالكي يشكل تهديداً، رغم أن العبادي، بحسب استطلاعات الرأي، يتقدم بفارق كبير، لكن خصمه قد يستطيع أن يشكل تحالفاً مع مقاعد الميليشيات الشيعية في البرلمان العراقي المكون من 329 مقعداً، بحجم يقلق باقي الأطراف، خصوصاً أن تلك الفصائل حصلت على بعض الحلفاء في الأرياف السنية الفقيرة التي دمرها «داعش» خلال الحرب الأخيرة.

ويقول الخبراء، إن العبادي قد يضطر إلى تقديم إغراءات كبيرة لبعض الميليشيات، خصوصاً منظمة بدر المقربة إلى حرس الثورة، بهدف إحداث انقسام داخل التحالف المفترض بين المالكي والميليشيات.

وتراجع دور الميليشيات في العراق منذ عمليات تحرير الموصل التي شهدت استعادة لهيبة المؤسسة العسكرية النظامية، لكن الخبراء يقولون، إن الفصائل المسلحة المقربة إلى طهران تنسج مصالح مالية واجتماعية في أكثر الأحياء الشيعية فقراً، وتستثمر سخط الطبقات المسحوقة على الثراء الفاحش لمسؤولي الدولة وقادة الأحزاب وأعضاء البرلمان، وتقدم نفسها بديلاً نزيهاً قادراً على تخليص البلاد من أزماتها.

ويرد العبادي وحليفه مقتدى الصدر بأنهما يريدان تشكيل حكومة جديدة لمواصلة مشروع إصلاحي طموح بدأ عند الإطاحة بالمالكي عام 2014، وأثمر تخفيف الاحتقان الطائفي في البلاد، ونزع التوتر مع بلدان الجوار، كما بدأ بتأسيس ثقة بمستوى ملحوظ مع المجتمع الدولي، وسط تفاؤل بانفتاح كبير على الاستثمارات العالمية في مجالات النفط والترانزيت التجاري الواعدة.