افتتاح المتحف المصري الكبير بشكل جزئي مطلع العام المقبل يلقى جدلاً كبيراً في الأوساط الأثرية والثقافية بين مؤيد ومعارض، وبينما يرى المعارضون، وهم أكثرية من المتخصصين، أن الافتتاح الجزئي خطأ وسيقلل قيمة المتحف، أكد الدكتور خالد العناني، وزير الآثار، أنه ينفذ برنامج الحكومة.

«الافتتاح الجزئي سيضيع قيمة المشروع وفكرة أكبر متاحف العالم... يمكن عمل افتتاح جزئي في متحف الحضارة، أما المتحف الكبير فيجب الانتظار حتى الانتهاء منه وافتتاحه في حفل كبير». هذا هو رد الفعل الأول لمن وضع الفكرة وبدأ التنفيذ وقطع شوطاً كبيراً فيه، فاروق حسني أهم وزراء ثقافة مصر لعقود طويلة.

Ad

هذا الطرح لا يلقى كثيراً من القبول والتشجيع لدى المتعجلين داخل النظام الرسمي في مصر الذين يريدون إنجازاً كبيراً يضاف إلى قائمة ما ينجزون، ولكن هذا الموضوع يحتاج إلى الطرح والنقاش العلمي المتعدد الاتجاهات.

ينبغي الإدراك أن التسرع غير السرعة، السرعة في الإنجاز مطلوبة بما لا يتعارض مع المعايير العلمية، لكن التسرع بغية تحطيم أرقام قياسية، أو رغبة في الحضور المكثف في الاحتفالات الإعلامية، فهو أمر لا يقل خطورة عن الإهمال أو الفساد.

لذا فإن إعلان وزارة الآثار نيتها افتتاح المتحف المصري الكبير بشكل جزئي مع نهاية العام الحالي أو بداية العام المقبل، لابد أن يثير القلق والجدل والتوجس.

كثيرون رأوا أن الافتتاح الجزئي خطأ وسيقلل قيمة المتحف، ومن بين هؤلاء أسماء مهمة، إن لم تكن الأهم، في مجالها. وهنا أستحضر تصريحا للدكتور زاهي حواس، أشهر عالم مصريات مصري ووزير آثار سابق، حيث أكد أن «الافتتاح الجزئي خطأ»، وقال إن «المتحف الكبير أهم مشروع ثقافي في العالم»، متسائلاً: «كيف سيزور السائح ويستمتع بآثار توت عنخ آمون في المتحف وبجانبه أعمال إنشاء، إضافة إلى عدم إعداد طرق مواصلات تؤدي إلى المتحف وعدم انتهاء مشروع المترو؟!».

وأقترح تأجيل الافتتاح ليتم في 4 نوفمبر عام 2022، ذكرى مرور مئة عام على اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون، بعد الانتهاء من المتحف بشكل كامل كأعظم إنجاز في التاريخ، وتتم دعوة ملوك ورؤساء العالم في حفل كبير بمناسبة افتتاح المتحف، وحفل آخر في الأقصر بمناسبة مرور 100 سنة على اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون، ويتم بث الحفل عالميا.

على الطرف الآخر أكد الدكتور خالد العناني، وزير الآثار، فيما يبدو أنه التزام بالمسؤولية التضامنية للحكومة أكثر منه اقتناعاً بالرأي أنه ينفذ برنامج الحكومة. وأضاف أن الافتتاح الجزئي للمتحف الكبير هو جزء من برنامج الحكومة، مشيراً إلى أن هناك مدرستين في هذا السياق: الأولى تطالب بتأجيل الافتتاح حتى انتهاء المشروع، وهي مدرسة محترمة وكلامها سليم، لكن بعد توقف المشروع سنوات طويلة في أعقاب أحداث 25 يناير، أصبح لابد من تقديم شيء للناس يؤكد جدية العمل ومصداقية المشروع، من هنا جاءت الدعوة لتبني الرأي الثاني بعمل افتتاح جزئي للمشروع. هذا يؤكد أن الهدف هنا هو تقديم "شيء للناس" كما يقول الوزير المسؤول لإثبات الجدية والمصداقية. وهنا الخطأ الكبير الذي ستقع فيه الدولة في مصر إن أصرت على المضي قدماً في تنفيذ الافتتاح الجزئي ضاربة عرض الحائط بآراء الخبراء والمختصين، ودون دراسة الأمر بصورة أكثر جدية وعلمية. ورغم تأكيد «العناني» أن الافتتاح الجزئي لا يعني افتتاح قاعة صغيرة في المتحف، حيث سيتم افتتاح جزء كبير من المتحف مساحته 7 آلاف متر مربع، ويعرض فيه 5 آلاف قطعة، تضم جميع مقتنيات توت عنخ آمون، إضافة إلى مجموعة أخرى من الآثار في البهو، إلا أن المتوقع أنه ربما يُضيع الافتتاح الجزئي قيمة المشروع، وفكرة كونه أكبر متاحف العالم، بل قد يفوت على مصر فرصة مهمة لتنشيط الحركة السياحية، حيث من المفترض أن يشكل هو والأهرامات بوابة كبرى لإظهار طبيعة الآثار المصرية.

المنطق والعلم والمصلحة على المدى الطويل تحتم إعادة النظر في قرار الافتتاح الجزئي.