لا أعتقد أن أحداً منا سيتهمني بالمبالغة عندما أتحدث وأكرر الحديث عن مأساتنا مع الفساد، فالجميع أقر بوجوده وانتشاره، بل ببجاحته وجرأته، حتى أنه كان في قديم الزمان خجولاً لا يجرؤ على الظهور أو السير في النور، وبلغ اليوم ما بلغ في الظهور والعلن وعدم الاستحياء من أفعاله حتى أقنع ضعاف العقول ومعدومي الضمير بأنه ذكاء وشطارة ومكاسب تجعل فاعلها ذا وجاهة ونضارة.

حكومتنا مستاءة منه، وبرلماننا يصرخ في العلن بشأنه، ومع ذلك لا أحد منهم قادر عليه، فهو باقٍ ويتمدد، وهم مستمرون في الاستياء والصراخ، كمن تنتحب على زوجها أو ولدها ولا عزاء للوطن والمواطن الأكثر ضرراً منه.

Ad

كارثة الفساد أصبحت ثقافة لا يخجل منها مرتكبها، لذلك بدأ اليأس ينتاب المواطن من التصدي له والقضاء عليه، فلا قرار بيده ولا سلطة معه ليحاسب مرتكبي الفساد، حيث انتصرت مؤسسة الفساد ولم يتبقّ من خصومها إلا مجاميع قليلة تلاحقهم وترصد تحركاتهم، فانشغلوا بأنفسهم بدلاً من انشغالهم بها.

المصيبة التي لا نعيها- نحن المواطنين- أننا نساهم بشكل أو بآخر في هزيمة من يحاربها وتحقيق النصر لها، وقد يسألني سائل كيف نساهم، ولا حل بيدنا ولا سلطة؟ فأقول حين يكون بيدنا سلاح الاختيار لأعلى سلطة نملكها، وهي البرلمان، فنختار ابن القبيلة وابن الطائفة وابن العائلة ممن يلهب مشاعرنا بالخطب الرنانة، ومن ثم "نتحلطم" ونشكو الحال من تصرفاته وموالاته لمؤسسة الفساد، فإننا شركاء رئيسون في هذه الآفة، بل ساعدناها لتقضي على الإصلاحيين ممن يحاربونها وضحوا من أجلنا، لذلك لا يمكن بحال من الأحوال أن نقضي على مؤسسة الفساد دون أن ندرك ذلك، وأن نعمل بجد لمصلحة الوطن ومصلحة أبنائنا.

يعني بالعربي المشرمح:

مؤسسة الفساد باقية وتتمدد، والسبب في ذلك انتصارنا لطائفيتنا وقبليتنا وعنصريتنا وسوء اختيارنا، فنحن كمن أصاب عينه بإصبعه ثم بكى وأراد من خصومه أن ينقذوه مما هو فيه، الأمر الذي يجعلنا نعيد حساباتنا وندرك أخطاءنا لننتصر لوطننا ونحرره من قيود الفساد التي تقتله ببطء دون أن نشعر.