كثيراً ما تتحدث الحكومة عن اهتمامها بالشباب الذين يشكلون النسبة الغالبة في مجتمعنا (في حدود 70%)، لكن واقع الحال يكشف عكس ذلك، فالشباب، في عالم اليوم، يريدون دولة المواطنة الدستورية والمؤسسات وسيادة القانون، دولة تكافؤ الفرص والمشاركة الفعلية في رسم السياسات واتخاذ القرارات العامة، وهذا كله لا تحققه التصريحات الحكومية الإنشائية والمُكرّرة عن الاهتمام بالشباب، ولا تحققه أيضاً سياسة الصرف المالي من ميزانية الدولة على مشاريع تجارية صغيرة (معظمها مطاعم ومقاه) يستفيد منها عدد محدود للغاية ومنتقى من الشباب، ولا توفر فرص عمل أو تضيف قيمة على الناتج المحلي الإجمالي. الاهتمام الحقيقي بالشباب يتطلب نهجاً سياسياً جديداً لدولة مواطنة متساوية، بحيث تنتهي عملية المحاصصة السياسية، ويُكافح الفساد السياسي ولا تُهمّش المؤسسات الدستورية، ويتوقف نهب المال العام وعدم تكافؤ الفرص في تولي المناصب العامة، وتصان الحريات العامة والشخصية، بحيث تختفي وللأبد الملاحقات الأمنية للشباب المهتمين بالشأن العام نتيجة تعبيرهم عن آرائهم بوسائل سلمية، والتي من الطبيعي أن يكون بعضها حاداً، ويخرج أحياناً عن المألوف، فضلاً عن إصلاح النظام الانتخابي بشكل ديمقراطي عادل؛ كي تتوسع قاعدة المشاركة الشعبية، ويستطيع الشباب المشاركة بفعالية في إدراة شؤون الدولة والمجتمع.

وعلى مستوى الحياة المعيشية التي لا تنفصل، بطبيعة الحال، عما ذكر أعلاه، فإن الشباب يريدون فرص عمل من واجب الدولة العمل على توفيرها كي يطمئنوا على مصدر رزقهم ومستقبلهم، ولكن في الواقع فإن معدل البطالة بين الخريجين في ارتفاع، وهناك قادمون جدد إلى سوق العمل عددهم أكثر من 25 ألف شاب سنوياً، وهو ما يعني أن معدل البطالة سيصل قريباً إلى رقم قياسي.

Ad

في الوقت الحالي يبلغ متوسط فترة الانتظار للحصول على وظيفة عامين يُعيّن أغلب الشباب بعد ذلك في وظائف حكومية، طبيعة عملها بعيدة عن التخصصات التي درسوها في الجامعة أو هيئة التعليم التطبيقي، وهو الأمر الذي يسبب لهم إحباطاً في بداية مسيرتهم المهنية. أما القطاع الخاص، الذي تزعم خطط الحكومة أنه سيقود ما تسميه "قاطرة التنمية"، فليس لديه القدرة، بحكم طبيعته الريعية، على توفير فرص عمل تلبي احتياجات الشباب، فما نسبته (85%) من القطاع الخاص هو عبارة عن منشآت عائلية صغيرة ومحدودة العدد، ليس بإمكانها التوسع في التوظيف وحلّ أزمة البطالة، وذلك على الرغم من أن الحكومة تدفع حالياً، بحسب إحصاءات جهاز دعم العمالة، ما نسبته 56% من رواتب المواطنين العاملين في القطاع الخاص.

الشباب يريدون أيضاً استقراراً عائلياً، من متطلباته، بالإضافة للدخل المستمر، توفير سكن دائم لعوائلهم الصغيرة، ولكن الواقع يصدمهم، فقائمة انتظار السكن تتعدى المئة ألف عائلة، ومعدل الانتظار الحالي يصل إلى 15 عاماً وربما أكثر، لذلك فإن معظم رواتب الشباب تذهب إلى إيجارات السكن التي يتحكم في تحديدها مُلاك الشقق السكنية، وذلك في غياب ضوابط قانونية يتحدد بناء عليها سعر المتر المربع في المنطقة السكنية، وهو النظام المعمول به في الكثير من دول العالم.