لو أن "مواقع" الدول ليست أبدية وسرمدية أيضاً لكان على دول، بعضها عربي، أن تفعل كما كان يفعل العرب، عندما كانت قصورهم الخيام: "إذا ضاقت بهم أرجاء أرضٍ يطيب بغيرها لهم المقام"، فقد كانوا يطوون بيوت الشعر وينتقلون إلى "مضارب" جديدة آمنة وغنية بالكلأ والماء، وفيها الجِوار الحسن بلا أي منغصات ولا تهديد ووعيد أو رفع للقبضات عالياً نحو السماء، ليس ضد العدو الصهيوني بل ضد الإخوة وأقرب الأقرباء في العروبة والإسلام.

كانت في هذه المنطقة دولة واحدة، سواء في العهد الإسلامي الجميل حقاً، أو في الدول التي تلاحقت بعد مرحلة البدايات الإسلامية، الأمويين والعباسيين والفاطميين والعثمانيين. لكن بعد انهيار الدولة العثمانية، وبعد سايكس – بيكو، أصبحت هناك كل هذه الدول، وخاصة العربية التي أثبتت وجودها ووظفت "إقليميتها" توظيفاً إيجابياً، مع الكثير من التعاطي القومي والانضواء في إطار الجامعة العربية.

Ad

وعليه، فإن المفترض أنه لا يحق لا سابقاً ولا لاحقاً، ولا في أي زمان، ادعاء أي دولة، بالاعتماد على عضلاتها المنتفخة والمتورمة، أن لها باقي "تراب" أو "ماء" أو "سماء" في دولة شقيقة مجاورة، إذْ إنّ ما كان قد ذهب ربما لن يعود، حتى إن استمر البعض في رفع شعار: "أمة عربية واحدة... ذات رسالة خالدة"، فهذه هي حقائق الأمور، والدليل هو أوروبا التي لم تكن خرائطها في أوقات زمنية غير بعيدة هي هذه الخرائط الحالية القائمة الآن... التي أصبحت لديها عوامل تعاون وتكامل وأمنٍ مشترك، لا عوامل نزاع وشقاق وتهديدات وحروب!

إن المطلوب الآن، بدل الاستمرار في التأوه والتحسر والبكاء على ماضٍ لن يعود إطلاقاً، وإن أشرقت الشمس من الغرب وغابت من الشرق، هو البحث عن صيغ عقلانية وعملية للتكامل الاقتصادي والتعاون الإيجابي الجدي المتبادل، من أجل الازدهار المشترك في الدول "المتعانقة" الحدود، والتصدي للإرهاب الذي بات يهدد الجميع ويضرب في كل مكان، ولتكون "الحركة" بين دولنا الكبيرة والصغيرة ببطاقة واحدة، كما هو الوضع في دول الاتحاد الأوروبي.

وهكذا، فإن على إيران القرن الحادي والعشرين أن تنسى أن "حوافر" خيول فرسانها وصلت ذات يوم، غدا بعيداً، إلى اليونان واليمن وإلى أقصى المناطق في الشرق الأوسط كله، وأنّ عليها أن تعرف أن إيران اليوم غير إيران الأمس، والمفترض أن العرب قد نسوا أن حوافر فرسان خيولهم وصلت من الأندلس وبواتيه في الغرب إلى سور الصين العظيم في الشرق.

فالآن، ونحن في الألفية الثالثة، هناك مستجدات كثيرة، ولذلك فإنه على "إخواننا" الإيرانيين الذين يحلمون باستعادة أمجاد فارس القديمة أن يتذكروا ما حصل مع صدام حسين، عندما أخذته العزة بالإثم وقفز تلك القفزة الجنونية باتجاه دولة مسالمة شقيقة هي الكويت... التي بقيت هي الكويت بعدما عاد الحق لأصحابه.