لا يمكن بأي شكل من الأشكال عزل السياق الفكري والإبداعي والثقافي والاجتماعي والاقتصادي، عن الحدث السياسي/ العسكري، لذا أرى، وهذه قناعة شخصية، أن المنعطف الأهم والأكثر إيلاماً في التاريخ العربي الحديث، إنما هو الثاني من أغسطس عام 1990، باحتلال الكويت البربري البغيض، وما تمخّض عنه من نتائج كارثية، مازالت آثارها متفاعلة حتى اليوم.

مؤكد أن الجانب الإبداعي والثقافي العربي في مجمله أصيب في مقتل جراء ما ترتب على الثاني من أغسطس، ومؤكد أخرى تأتي باندلاع ما اتفق على تسميته إعلامياً بـ "الربيع العربي"، ورغم كل التفاؤل الذي شمل شعوب أقطار الوطن العربي بانتفاضة الإنسان العربي، وبقرب تحقيقه شيئا من آماله العريضة، فإن النتائج الماثلة في أقطار الوطن العربي تقول شيئاً مغايراً.

Ad

إن مجمل التفاعلات التي غشيت ساحة أوطاننا العربية منذ ما يزيد على ربع قرن، إنما انعكست انعكاساً واضحاً على الناتج الإبداعي والثقافي من جهة، وعلى تفاعل وأثر هذا الناتج على ساحة الثقافة العربية من جهة أخرى. لذا لا يمكننا بأي حال من الأحوال تجاهل ما حصل ويحصل في العراق، ومصر، وتونس، وسورية، وليبيا، واليمن وبقية الأقطار العربية. وعلى الضفة الأخرى يبدو جلياً للعيان المساهمة الثقافية الكبيرة التي تقدمها الجوائز العربية، وعلى رأسها الجوائز الأدبية لدول مجلس التعاون الخليجي.

المواطن العربي هو وقود مجاني لتنور الحروب الأهلية المجنونة الدائرة، والإنسان العربي؛ المفكر والمبدع والمثقف، ليس ببعيد عن هذا التنور وهذا الموات والموت. لذا وخلال العقدين الماضيين، مات وهاجر وهُجِّر ملايين العرب، ومن بينهم فئة المفكرين والمبدعين والمثقفين.

وبقي من استطاع البقاء على مضض ووجع، ونأى بنفسه وابتعد عن الحياة الإبداعية والثقافي عدد ليس بالقليل. ولا أجدني مبالغاً إذا قلت إن التظاهرات الثقافية ومعارض الكتب والجوائز العربية وحدها صارت مَن يجمع المفكر العربي إلى أخيه العربي، ووحدها هذه التظاهرات تمنح المبدع فرصة لقاء وتواصل مع أخيه المبدع.

وسط انكسار أوطان وشعوب الأمة، قدمت الجوائز العربية خدمة كبيرة ما كان لفعل أو جهة أن تقدمها. وأعني بذلك أنها فتحت طاقة أمل، وأدخلت شيئاً من ضياء لنفسية المفكر والمبدع العربي، بأن أشارت إليه بوجود منْ سيكرمه إبداعياً وإنسانياً ومالياً مقابل عمله.

إن وجود الجوائز العربية/ الخليجية، شارك مشاركة ملموسة بأن يكون حافزاً للكاتب العربي، وليس للكتابة بغية الحصول على الجائزة، ولا الكتابة وفق معايير الجوائز، لكنه حافز على فعل الكتابة أياً كانت هذه الكتابة، وأياً كان المردود التي سيأتي لاحقاً لها.

الجوائز العربية/ الخليجية، ودون الخوض في معاييرها، ولجان تحكيمها، وما يُقال عنها، استطاعت بشكل لا يمكن نكرانه أن تقدم وجهاً بهياً وبهيجاً وإنسانياً للمبدع والناشر وجمهور القراءة، مثلما استطاعت بشكل لافت أن تكون جسراً للوصول إلى الضفة الأخرى، والقارئ الآخر، والمحفل الآخر، والجمهور الآخر، أياً كان هذه الآخر، وأينما كان مكانه. كما أنها وبقيمة مكافآتها المالية، ساعدت وتساعد كثيرا من المفكرين والمبدعين العرب على تحسين أوضاعهم المعيشية، وتأمين شيء من حسن العيش لهم.

نعم، الجوائز العربية/ الخليجية جاءت في لحظة حرجة، لحظة انكسار وتشظي العديد من الأقطار العربية، وتشتت أبنائها، فأضاءت لهم شمعة في عتمة الواقع الموحش والمؤلم واليائس.

نعم، لقد استطاعت الجوائز العربية/ الخليجية انتشال بعض حلمٍ للمفكر والمبدع العربي. ولقد كان انتشال ثلمة الحلم هذه، بمنزلة انتشال للمبدع العربي نفسه، خوف أن ينجرف في نهر الاحتراب والتوحش والدم، وأن تختفي وتضيع معه كلمة أو كتاب مبدع سيبقى حاضراً لأجيال وأجيال.

نعم، لقد استطاعت الجوائز العربية/ الخليجية خلق جو من العطاء والتنافس بين المفكرين والمبدعين العرب، من المحيط إلى الخليج، وهي بذا عوضت أدوارا كانت عواصم عربية عريقة تلعبها، مثلما خلقت جواً جديداً على الكاتب والناشر وجمهور القراءة. فالجوائز العربية، لم تمس المفكر والكاتب وحده، بل مست شرائح كثيرة معه، وعلى رأسها حركة النشر، وكذلك إقبال الجمهور العربي على القراءة، ودخول أجيال من الشباب إلى معترك القراءة والكتابة، بدل أن تأخذهم ساحات الحروب والتوحش.

لا يمكن نكران فضل الجوائز العربية/ الخليجية على المشهد الثقافي العربي، لكن ما يجب التأكيد عليه هو أن الجوائز ليست حكم قيمة، وأن كُتاباً مبدعين كثرا كانوا يستحقون بفنهم الرفيع وعطائهم المشهود أكثر من جائزة، ولكن لسبب أو لآخر ما كُتب لهم أن ينالوا أي جائزة، وهذا ليس حكراً على الوطن العربي!