تدفعنا استقالة رئيس وزراء أرمينيا سيرج سركيسيان بعد أكثر من أسبوع من التظاهرات الحاشدة في هذه الدولة المجاورة لروسيا إلى التساؤل: لمَ لم تتدخل موسكو؟

كي تتدخل موسكو في إحدى الدول التي كانت تابعة لها خلال العهد السوفياتي يجب أن يتوافر شرطان على الأقل: أولاً، يلزم أن يرى بوتين خطراً كبيراً يهد مصالح روسيا الوطنية الحيوية، مثل احتمال توسع ائتلاف معادٍ يقوده الغرب على مقربة من حدود روسيا، وثانياً، ينبغي أن تكون فرص دفاعه عن مصالح روسيا أو الترويج لها باستعمال القوة عالية نسبياً. لا ينطبق الشرط الأول على أرمينيا لأن الجناح المهيمن الموالي لروسيا في نخبة هذا البلد الحاكمة ما زال يحتفظ بالسلطة. يتمتع الحزب الجمهوري الموالي لروسيا بقيادة سركيسيان وحليفه حزب الطاشناق بالأكثرية في البرلمان، مما يعني أنهما يستطيعان ترشيح رئيس الوزراء التالي والموافقة على تعيينه.

Ad

إذا نجح زعيم المعارضة نيكول باشنيان في إنهاء سيطرة الحزب الحاكم على البرلمان من خلال التظاهرات والانتخابات المبكرة، يشكّل هذا ثورة بالتأكيد، ولكن كي تتدخل روسيا لا يكفي أن يطيح باشنيان بالحزب الحاكم الحالي، بل يجب أن يعرب عن تصميم أيضاً على دفع أرمينيا نحو الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، وحتى اليوم لم يعرب باشنيان عن نوايا مماثلة، ولا عجب في ذلك.

لكن روسيا لا تتدخل عسكرياً في شؤون جيرانها من دول الاتحاد السوفياتي السابق لمجرد أنهم قادوا ثورة أو صاروا أكثر ديمقراطية أو يريد قادتهم بناء علاقات أكثر وداً مع منافسي روسيا، ويبقى تهديد مصالح موسكو الحيوية المفتاح الأساس.

لم تتدخل روسيا في أرمينيا لأن قادتها لم يعربوا عن أي طموح بالفوز بعضوية حلف شمال الأطلسي، لطالما صُنفت قيرغيزستان أكثر ديمقراطية من روسيا بقيادة بوتين، حتى إنها تضم قاعدة أميركية (يُقال إن روسيا ضغطت على بيشكك لإقفالها)، ورغم ذلك قررت روسيا عدم التدخل خلال ثورتَي قيرغيزستان في عامَي 2005 و2010، رغم مطالبات الرئيس آنذاك قربان بيك باقايف بتدخل مماثل عام 2010. أما الشرط الثاني لتدخل روسيا فهو ضرورة أن يكون الوضع المعني برمته مؤاتياً لاستخدام القوة، ويجب أن يكون القادة الروس واثقين من أنهم سيسودون في المواجهة العسكرية أو أنهم سيتوصلون على الأقل إلى حالة من الجمود تمارس ضغوطاً كبيرة على قدرة الدولة المستهدفة على المضي قدماً بالنشاطات التي تعتبر روسيا أنها تقوّض بحق مصالحها الحيوية. قد يكون هذا الشرط متوافراً جزئياً على الأقل في حالة أرمينيا، لكن روسيا متورطة بقوة في سورية وأوكرانيا، وقد أظهرت استطلاعات الرأي الأخيرة أن الروس ليسوا متحمسين للمزيد من التدخلات العسكرية ما لم يتعرضوا هم أو الأقليات الناطقة بالروسية في الخارج لأي خطر واضح. في المقابل، تملك روسيا قاعدة عسكرية كبيرة في أرمينيا، لذلك إذا قررت موسكو استعمال القوة في هذه الدولة، تستطيع تحقيق ذلك نظرياً بسرعة أكبر مما شهدناه في أوكرانيا أو جورجيا، لكن عواقب تدخل مماثل وكلفته قد تفوقان فوائده، وخصوصاً في ظل غياب أي تغيير جذري في ميول الاندماج الأرمينية، مثل "الهرب" إلى حلف شمال الأطلسي.

لا شك أن محاولة السيطرة على أرمينيا، وخصوصاً في ظل غياب أي خطر حقيقي يهدد مصالح روسيا الحيوية، ستقوّض بشدة جهود موسكو لإبقاء دول أخرى من جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق ضمن مشاريع التكامل الدولية التي تقودها، وستبرهن هذه الخطوة أن عضوية ائتلافات تقودها روسيا بحد ذاتها، مثل منظمة معاهدة الأمن الجماعي والاتحاد الاقتصادي الأوراسي، لا تحول دون خسارة الأراضي ولا تضمن الاستقلال عن موسكو.

قد تبدأ هذه الجمهوريات عندئذٍ بالبحث عن ضامنين ورعاة آخرين غير روسيا، مما يرغم موسكو على توسيع مواردها في التعاطي مع العواقب، إذاً إن لم تكن أرمينيا، فمن سيكون التالي؟ وهل من تالٍ؟

* سيمون سارادزيان

* «موسكو تايمز»