في وقت كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب يمارس السفاهة والابتزاز لدول الخليج العربي في مؤتمر صحافي خلال زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأخيرة لواشنطن، كان ماكرون يومئ برأسه أثناء كلام ترامب موافقاً على ما يقوله من كلام ربما يستحي رئيس عصابة في شوارع نيوأورليانز أو سانت لويس أن يقوله ليوفر الحماية لأصحاب مصالح تجارية ومحلات من هجمات عصابته أو بقية الأشقياء في المدينة.

وبلا أدنى شك، فإن ابتزاز ترامب كان يقصد به دول الخليج النفطية، والأدهى أن ترامب قال إنه تحدث إلى شركائه الأوروبيين ووافقوا على أن دول الخليج "لازم تدفع"، وبحضور الرئيس الفرنسي الذي لم يعترض على هذا الكلام.

Ad

إذاً الوضع أصبح واضحاً أنها أضحت "عصابة" ترأسها الولايات المتحدة الأميركية لابتزاز دول الخليج التي أمضت 40 عاماً وهي تعتقد أنها في شراكة مع العالم الحر الصناعي، لتحافظ على إمدادات الطاقة الآمنة لتأمين حضارة العالم ورفاهيته.

كلام ترامب عن الـ 7 تريليونات التي صرفت في الشرق الأوسط هو كلام "خرابيط"، فمعظمها مبالغ صرفت إلى إسرائيل ولدول عربية لضمان أمن تل أبيب، والبقية استردتها واشنطن بأرباح في صفقات السلاح الخيالية من دول الخليج وشراء الخليجيين لسندات الخزانة الأميركية والاستثمارات الخليجية الضخمة في الولايات المتحدة وشركائها أو حلفائها الأوروبيين، وخاصة إذا علمنا - على سبيل المثال - أن معظم احتياطي الكويت واستثماراتها التي تبلغ أكثر من 600 مليار دولار موجودة وتدار من مكتب الاستثمار الكويتي في لندن، كما أن اعتماد الدول النفطية للدولار لتجارة وتسعير النفط هو بحد ذاته مكسب تاريخي للاقتصاد الأميركي.

ترامب الجريء والوقح مع دول الخليج التي يصفها "بأنها ستسقط خلال أسبوع إن لم نوفر لها الحماية"، لا يتجرأ على ابتزاز اليابان أو كوريا الجنوبية؛ الدول الفاحشة الغنى، اللتين توفر لهما واشنطن الحماية، وخاصة أن اليابان مكبلة بمعاهدات استسلامها بعد الحرب العالمية الثانية التي تمنعها من إنشاء جيش كبير، ولكنه - ترامب - يمارس هذا الابتزاز معنا، وهو أمر يعبّر عن عنصرية وحقد اليمين المتطرف الأميركي، ويساعده على ذلك الأدوار والخدمات المتبادلة بين أميركا وإيران، فواشنطن تسلّم العراق وسورية ولبنان لطهران، ثم تتذاكى علينا بأنها تريد جيوشاً عربية لمنع إيران من الوصول إلى سواحل البحر الأبيض المتوسط، بينما الحقيقة أن إيران على تلك السواحل منذ سنوات طويلة، بل إنه في 7 مايو 2008 عندما احتل حزب الله بيروت ترك السفير الأميركي حلفاءه اللبنانيين لمصيرهم ورحل.

المشكلة أننا كخليجيين ومع توالي تهديدات وابتزاز ترامب، الذي انضم إليه الأوروبيون بسكوتهم ورضاهم عما يقوله عنا، لا نبدي أي ردود فعل أو مقاومة، ويحارب كل منا على جبهته الخاصة لشراء ود رئيس متهور، ونراهن على فرضيات أن أميركا ستواجه إيران، وهي لعبة محبوكة بين الطرفين سنكون نحن ضحيتها، فلم يقم سفير خليجي في واشنطن أو باريس أو لندن ليعبّر حتى عن أسفه عن مثل هذه التصريحات أو الاستفسار من حكومات تلك الدول عما يقوله الرئيس ترامب عن اتفاقه مع دول أوروبية على ضرورة أن تدفع دول غنية في الشرق الأوسط لتوفير الحماية لها، وما هي سبل الدفع تلك وتحت أي مسوغ ستكون؟

كما لم نر تحركاً على مستوى مجلس التعاون الخليجي، ولو كان بياناً خجولاً ومؤدباً يؤكد أن دول الخليج العربي الغنية هي دول ذات سيادة وأعضاء في المنظمات الدولية، وقدمت مساعدات وخدمات إنسانية هائلة وكثيرة للمجتمع الدولي، ولديها شعوب ستدافع عن سيادتها ومقدراتها بدمائها، حتى على الأقل نكسب احترام الدول لنا، لأن ترامب هو رئيس دولة مؤسسات، ولن يستطيع أن يحول الولايات المتحدة إلى عصابة "آل كابوني".

وهناك عامل مهم ومؤثر آخر يجب أن يعرفه قادتنا، وهو ضرورة أن تتقربوا من شعوبكم وتصلحوا بيوتكم من الداخل وتنحّوا خلافاتكم جانباً، فعندها ستخشاكم الضباع وتبتعد عنكم.