اشتهر فريدريك نيتشه بغرابة أفكاره، فاعتزل الناس في الغابة، وعاش سنتين في الخلاء، عاد للناس وهو أشد غرابة، ثم اندلق حبره للكتابة، حيث نفث من مقالاته أفكارا سامة، مثل قوله بضرورة رمي الأعرج في حفرة القبر حياً لأنه عالة على المجتمع، والقول «لقد قتلنا الله»، والعياذ بالله، وسعى الكثير إلى تبرير عبارته بأنها مجاز شعري، لكنه أصر على أنها حقيقة.

وتخبط كهذا في معنى الإله الذي «لا أول له ولا آخر»، دليل على عجزه عن ترتيب الأفكار، وبعد أن مارس مثل هذه السلوكيات غير المناسبة اجتماعيا، أعاده الأطباء إلى المصحة العقلية للمرة الثانية، وكانت التكاليف على أخته الكبرى التي رعته بعد وفاة أمها وأبيها، فسقط في نوبات اكتئاب حتى أدركه الموت.

Ad

فلنقارن حالته بالبطل الكويتي

د. عبدالرحمن السميط، رحمه الله، الذي كان في آخر مقابلة له يقول «إذا ما كان عندك رسالة، وإذا ما كان عندك همة، فالإنسان والحيوان واحد». بهذه الجملة تبدو كل كتب فريدريك التي تدعو للانطواء والعيش بسوداوية وأنانية.

كان السميط، رحمه الله، رجلاً يقرأ بشراهة منذ صغره، برع في مجال الطب، وكرّس حياته لخدمة الضعفاء في القارة السوداء، فأسلم بسببه أحد عشر مليون شخص، مما تجاوز فيه إنجازات حملات التنصير، كما أن تخصصه الطبي كان الجهاز الهضمي من جامعة بغداد، وبكالوريوس طب، وكذلك في الجراحة من ليفربول، ووظف هذا العلم على أرض الواقع لخدمة كل الإنسانية في القارة الإفريقية بغض النظر عن دينهم أو وطنهم.

وبنى مئات المدارس والجامعات والعيادات الطبية، ولم يفسد على الناس صفوة بالهم، ولم يحزنهم بفلسفات لا تسمن ولا تغني من جوع، بل لم يقل إلا ما يسعد ويرضي الجميع، وكان يعتبر نفسه أسعد رجل في الأرض، على نقيض فريدرك، فالجائع ملأ بطنه، والجاهل علمه الكتابة والقراءة، والعاطل وفر له العمل حتى صارت عند بعضهم فرص رئاسة دول، وحينما توفي السميط، رحمه الله، زار عزاءه في الكويت رؤساء دول من ضمنهم رئيس إفريقي قال أمام الأشهاد «أنا كنت من أطفال المجاعة وجئت لتأدية الواجب».

حقا العقل هو دفة سفينتا، فيمكن بانحراف بسيط أن ينجرف الإنسان للمهالك، وقد يتحول مجرم إلى بطل بقراءة عبارة أو سماع محاضرة؛ لذلك الدين الإسلامي شدد على خطورة الكلمة، بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ العبد ليتكلّم بالكلمة- مِنْ رضوان الله- لا يُلْقِي لها بالاً، يرفعه الله بها في الجنة، وإن العبد ليتكلم بالكلمة- من سَخَط الله- لا يُلْقِي لها بالاً، يهوي بها في جهنم».

فالعقل كالهاتف الذكي، وأما الأفكار فهي برامجه (التطبيقات)، فلنحذر من نوعية أي فكرة تشغل عقولنا، ولنترك التوافه ولنقصد المفيد، فالحياة ممر قصير، وزادها للضالين قليل وللمهتدين وفير.