في جلسة سريعة ومفيدة مع إبراهيم الطراح، الوكيل المساعد لشؤون الأمن العام، طرح قضية في منتهى الأهمية، حيث تحدث عن أن مفهوم الجندية والعسكرية أو حتى الخدمة الشرطية، هو عمل لمصلحة الوطن وأمنه، ولذلك لم يكن قديماً يوجد لدينا في هذا العمل تفضيل من الجندي أو الشرطي لهذا المكان أو ذاك، أو رغبة في العمل في هذا القسم أو ذاك لأنه قريب من منزله أو لأن هذا القسم أفضل من الثاني، وأكبر مشكلة هي كثرة الرغبات والطلبات من الأجيال الجديدة بأن يكون الشخص في دائرة محددة أو موقع بعينه، وما أدراك كم الإزعاج والوساطات التي تتدخل في الأمر، وكأن الأمر يدخل في دائرة التحدي من هؤلاء الأشخاص، فترى الواحد منهم يسوق عليك الوساطات من كل حدب وصوب، وكلما رفضت لجأ إلى باب آخر، وكأنه لا يحارب ويجاهد من أجل الوطن والسهر على سلامته وراحة مواطنيه؛ بل من أجل راحته وسلامته الشخصية ونومته الهنية.

ويطرح الطراح بعداً آخر وهو عملية التوزيع الإداري، فمن المفترض أن التوزيع الإداري يهدف أساساً الى سد الشواغر والنقص الموجود في النقاط والأقسام المختلفة، لكن مع كثرة الرغبات التي تشبه رغبات الطلاب في الالتحاق بجامعة معينة أو قسم بعينه داخل الكلية، نجد التكدس في أحد الأقسام، في حين نعاني نقصاً شديداً في أماكن أخرى وذلك نتيجة أن التوزيع لا يأتي على هوى بعض الأشخاص، الذين يرغبون في العمل في مكان ما، ولا يقبلون بغيره بديلاً، فمن المفترض أن يتم التوزيع على أساس الاحتياجات، لا على أساس كثرة الاحتياجات، فالأعمال الخدمية بشكل عام والعسكرية والشرطية بشكل خاص، لها طبيعتها المميزة، ومتطلباتها الخاصة، التي تقتضي البحث عن راحة وأمان الوطن والمواطن قبل البحث عن الراحة الشخصية والرفاهية الوظيفية التي تجعلك قريباً من بيتك أو عاملاً في مخفر متميز.

Ad

انتبهوا يا سادة، فالجندية لها قيمتها واعتبارها وقدسيتها، وليست زياً مميزاً وشارات تعلق على الأكتاف فقط، فعلى الباحثين عن الراحة والرفاهية ألا يجهدوا أنفسهم في العمل في هذا المجال الذي يضع راحة الناس وحمايتهم وأمنهم في المقام الأول، وقبل كل شيء، فإذا كنت عزيزي الشاب من الباحثين عن الراحة والرفاهية في العمل، فرجاءً البحث عن مجال آخر للعمل يوفر لك ما تريده وتتمناه، حتى لا تجهد أهلك فيما بعد في البحث عن مئات الوساطات لتكون قريباً من أهلك، ولتخدم في إحدى النقاط المميزة والبعيدة عن المشاكل والقلاقل، أعزائي الشباب لا تفسدوا أعظم المهن وأجلها برغبتاتكم الشخصية، ولا تلطخوها بأهوائكم الذاتية.

أعود مرة أخرى لطرح اللواء الطراح وهو يتساءل: إن كان هذا الكم الكبير من الوساطات يأتيه وهو مسؤول فقط عن قطاع واحد، فما بالنا بما يأتي للسيد وزير الداخلية، وللسادة الوزراء والمسؤولين في مختلف المجالات، إن القضية كبيرة، وتحول مفهوم العمل من خدمة الوطن الى خدمة المصالح الشخصية.

والسؤال المهم الآن: إذا كان كل شخص يبحث عمن يساعده ويتوسط له ليخدم ويعمل في مكان ما على هواه، فمن يتوسط للكويت وحمايتها وأمنها ورعايتها؟ ومن يتوسط للكويت وشعبها لتوفير العين الساهرة التي تسهر على حماية الناس؟ ومن يتوسط للكويت ومصلحتها العامة؟ ومن يتوسط للكويت ومستقبلها؟ أجيبوا يا سادة واتقوا الله في أوطانكم وتعلموا من دروس التاريخ.

انتهت جلسة الطراح، والتي تمنيتها أطول، وسعدت بأننا نمتلك مثل هذه الشخصية الكويتية المميزة، التي لديها الكثير من الإخلاص والوفاء والعمل الجاد لتقدمه لوطننا الكويت، أتمنى أن تطرح الكويت نماذج كثيرة في كل المجالات تكون كالطراح في طرحه الحكيم والمخلص للكويت الغالية.