أثار تصرف السفارة الفلبينية موجة استياء وغضب شعبيين في وسائل التواصل الاجتماعي كون هذا التصرف يعتبر خروجاً سافراً على الأعراف الدبلوماسية والمواثيق الدولية من جهة، وتدخلاً فجاً في سيادة الدولة من جهة أخرى، وزاد الطين بلة تصريح السفير لصحيفة "الجريدة" بتاريخ 21 أبريل 2018 عندما قال "نتدخل بفريق من 7 أفراد بمركبات دبلوماسية لإنقاذ عمالتنا من منازل مخدوميهن... ولا ننتظر "الداخلية" الكويتية". (انتهى التصريح)، علماً أن تصرف طاقم السفارة وتصريح السفير يأتيان في سياق تصريحات نارية سابقة لرئيس الفلبين.

ومع أن أجهزة الدولة ستتعامل مع ما قامت به سفارة الفلبين وتصريح سفيرها بالطرق الدبلوماسية والقانونية، إلا الأمر الأكثر أهمية هو أن الحادثة المُدانة تعتبر مؤشراً خطيراً على ما يمكن أن يحدث مستقبلاً من قِبل سفارات العمالة الوافدة، ولذلك يجب أخذ الموضوع بجدية ومسؤولية، وهذا يتطلب فتح ملف خلل التركيبة السكانية وتركيبة القوى العاملة لما لذلك من تأثيرات سياسية بجانب التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية على المديين المتوسط والبعيد سبق أن أشارت إليها دراسات علمية كثيرة، لاسيما أن 70% من سكان الكويت هم من الوافدين الذين باتوا يشكلون "مجتمعات صغيرة" داخل الدولة، أما المواطنون فأصبحوا أقلية في وطنهم فهم الآن أكبر "المجتمعات الصغيرة" أو الأقليات، إذ تشير إحصائيات رسمية إلى أن عدد الجالية الهندية قد وصل إلى أكثر من 750 ألف عامل، تليها الجالية المصرية بعدد أكثر من 600 ألف عامل، أما الجالية الفلبينية فعددها هو 276 ألف عامل، حيث يحظى القطاع الخاص بنصيب الأسد من العمالة الوافدة يليه العمالة المنزلية.

Ad

وفي هذا السياق يجب عدم تجاهل أو التقليل من شأن المخالفات التي ترتكب بحق العمالة الوافدة وبالذات انتهاكات حقوق الإنسان التي نلمسها جميعاً، وتشير إليها تقارير محلية ودولية تحت عنوان عريض ومخجل هو "تجارة البشر"، فهي انتهاكات غير مقبولة إطلاقاً فيها إهانة بالغة للإنسان وحط من كرامته، هذا ناهيك عن أنها قد تفتح باباً لتدخلات خارجية في الشؤون الداخلية أكبر مما حصل في الحادثة المُدانة لسفارة الفلبين.

ومع أن مخاطر خلل التركيبة السكانية وتركيبة القوى العاملة واضحة للعيان، إلا أن سياسات الحكومة تعمل بالاتجاه المعاكس، فدخولها مؤخراً من خلال "شركة الدُرّة" في سوق العمالة المنزلية يؤكد عدم جديتها في معالجة الخلل، فبدلاً من أن تقوم بوضع خطط وبرامج تستهدف التحول تدريجياً من نمط الاقتصاد الريعي إلى نمط الاقتصاد الإنتاجي، ووضع سياسات عامة تُشجّع على تقليل الاعتماد على العمالة المنزلية، ثم تنظيم سوق استقدام العمالة المنزلية وفرض رقابة فاعلة تنهي الاحتكار وتشجع المنافسة، علاوة على تجريم انتهاكات حقوق الإنسان ومعاقبة مرتكبيها، فإن الحكومة دخلت بثقلها في سوق أو "تجارة" استقدام العمالة المنزلية، وما زالت الشركة الحكومية تواجه مشاكل كثيرة منعتها، حتى الآن، من مزاولة عملها.

ومن ناحية أخرى، فإن خطط الحكومة وبرامجها وسياساتها تركز على أن القطاع الخاص سيقود ما يطلقون عليها "قاطرة التنمية" من خلال برامج خصخصة شاملة، وذلك على الرغم من الطبيعة الريعية للقطاع الخاص (معظمه قطاع عائلي) واعتماده على الدعم الحكومي المستمر، وهذا معناه، كما أشرنا من قبل، المزيد من العمالة الوافدة التي تُشكّل الآن ما نسبته 94% من العاملين في القطاع الخاص (العائلي)، مع ما يمثله ذلك من مخاطر كثيرة على المديين المتوسط والبعيد.