إذا صدقنا ترامب، فقد يكون القائد الكوري الشمالي كيم يونغ أون مهتماً بالتخلي عن ترسانته النووية، فقد غرّد ترامب في 28 مارس الماضي: «على مر السنين والكثير من الإدارات، قال الجميع إن إمكان نزع السلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية مستبعد بالكامل، ولكن ثمة احتمال كبير اليوم أن يقوم كيم يونغ أون بما يُعتبر الأفضل لشعبه وللبشرية، أتطلع للقائنا!».

ولكن ما يعتقد ترامب أن كيم يظنه الأفضل لشعبه مختلف كل الاختلاف على الأرجح عما يفكّر فيه القائد الكوري الشمالي، في وقت يتجه هذان الرئيسان نحو محادثات «نزع الأسلحة النووية» المنتظرة بترقب، والتي قد تشكل المحور الفصل بين السلم والحرب في شبه الجزيرة الكورية.

Ad

يتخطى هوس كوريا الشمالية بأسلحة الدمار الشامل، وخصوصاً الأسلحة النووية، بناء وسيلة ردع، ليصل إلى التدخلات الأميركية الأخيرة في العراق وليبيا، لذلك من غير المرجح أن تحقق محادثات ترامب- كيم المقبلة الإنجاز الكبير الذي يأمله الرئيس الأميركي في مجال نزع الأسلحة النووية.

كان «القائد العظيم» الكوري الشمالي الراحل وجدّ كيم يونغ أون، كيم إيل سونغ، مهووساً بالأسلحة النووية، حتى قبل أن يعلن قيام نظامه الشيوعي في بيونغ يانغ في 9 سبتمبر عام 1948.

في نهاية الحرب العالمية الثانية، رُحّل آلاف العمال الكوريين من اليابان، وانتهى بهم المطاف إلى الجزء الشمالي من شبه الجزيرة الكورية الذي كان خاضعاً آنذاك لاحتلال الاتحاد السوفياتي، كان كثيرون منهم قد عملوا في هيروشيما وناغازاكي، وكانوا في تلك المدينتين حين سقطت القنبلتان النوويتان الأميركيتان عليهما في شهر أغسطس عام 1945، فعادوا حاملين معهم قصصاً عن سلاح «الهلاك» الأقوى الذي استخدمه الأميركيون بشكل مدمر.

نما خوف كيم من الأسلحة النووية خلال الحرب الكورية، حين درست الولايات المتحدة فكرة توجيه ضربات نووية إلى الشمال، حتى إن قائد القوات الأميركية الجنرال دوغلاس ماكارثر قدّم في 9 ديسمبر عام 1950 لائحة بستة وعشرين هدفاً للقنابل النووية بغية وقف تقدّم الجيش الكوري الشمالي وحلفائه الصينيين.

نتيجة لذلك، طمحت كوريا الشمالية منذ ذلك الحين إلى امتلاك أسلحة نووية بغية ردع أي اعتداء أميركي والرد عليه، مما يضمن بالتالي استمرار نظام هذه السلالة الشيوعي، وعلى نحو مماثل اعتبر كيم يونغ إيل، خلَف كيم إيل سونغ وابنُه ووالدُ كيم يونغ أون، الحصول على أسلحة نووية جزءاً مهماً من تحقيق العظمة الوطنية.

درس مرّ

في 3 أكتوبر عام 2006، كشفت وزارة الخارجية الكورية الشمالية، في رد مفترض على تهديدات أميركية، عن خطط لاختبار قنبلة نووية، معلنةً: «يُحكم على الشعب الذي يفتقر إلى وسيلة فاعلة لردع الحرب بموت مأساوي وعلى سيادة بلده بالانتهاك السافر، هذا هو الدرس المر المستمد من إراقة الدماء الناتجة عن قانون الغاب في أجزاء مختلفة من العالم».

وبعد ثلاثة أيام، أجرت كوريا الشمالية أول اختبار نووي لها، فوسم هذا الاختبار نهاية درب طويل بدأ بعيد إعلان نهاية الحرب الكورية المفترضة.

في عام 1956، أنشأت كوريا الشمالية المعهد الموحد للأبحاث النووية في دوبنا، قرب موسكو، ليكون مركزاً دولياً للعلوم والأبحاث للأمم الاشتراكية، فطوّر هذا المعهد مختبرات ومعاهد أبحاث متخصصة في فيزياء الطاقة العالية، فيزياء النيوترونات، والمسائل النووية.

في عام 1965، بدأ العمل في مفاعل أبحاث نووية أساسي في يونغبيون شمال بيونغ يانغ، مما وسم بداية البرنامج النووي الكوري الشمالي.

أُنشئ مركز يونغبيون بمساعدة سوفياتية، وإلى جانب المفاعل النووي، ضم مختبراً للأبحاث الكيماوية الإشعاعية، منشأة كوبالت K-60.000، وبيتاترون B-25، وهو جهاز متطور يسرّع الإلكترونات في مسار دائري عبر الحث المغناطيسي.

قدّم السوفيات كل المخططات، وسرعان ما تحول مفاعل بيونغ بيون إلى مجمع مترامي الأطراف من الأبنية الدائرية التي تضم منشآت تخزين المفاعل، محطة طاقة على البخار، ومركزاً لغسل الملابس والملابس الداخلية الواقية التي يرتديها العلماء والعاملون، بغية إزالة أي تلوث قد يلحق بها.

أظهرت الصور الملتقطة بالأقمار الاصطناعية على مر سنوات عدة عدم اتصال هذا المجمع بأي خطوط كهربائية، علماً أن هذه الخطوط كانت ستشكّل إشارة إلى أن هذه المنشأة تُستخدم لتوليد الطاقة الكهربائية، وفي ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، تدرّب أكثر من 300 عالم نووي كوري شمالي في معهد الفيزياء الهندسية، ومدرسة بومان التقنية العليا، ومعهد موسكو للطاقة في موسكو السوفياتية.

لكن هذا التدريب انتهى عندما انهار الاتحاد السوفياتي في عام 1991، مع أن عدداً من خبراء الصواريخ والعلماء النوويين من ألمانيا الشرقية وروسيا واصلوا العمل في كوريا الشمالية طوال تسعينيات القرن الماضي على صعيد شخصي على الأرجح، ولكن يبدو في الوقت الراهن أن كل مساعدة (الخاصة منها والعامة) من كتلة الاتحاد السوفياتي السابق قد توقفت، إلا أن كوريا الشمالية اكتسبت منذ ذلك الحين شركاء جدداً في مجال أسلحة الدمار الشامل.

مساعدة باكستانية

صحيح أن البلوتونيوم المناسب للأسلحة النووية قد يُستخرج من مفاعل يونغبيون، غير أن كوريا الشمالية طورت أيضاً القدرة على تخصيب اليورانيوم بمساعدة باكستان.

أنكرت باكستان طوال سنوات تعاونها مع كوريا الشمالية، وخصوصاً في مجال التكنولوجيا النووية، ولكن في أواخر عام 2002، أعلن مسؤول أميركي أن كوريا الشمالية تستخدم تكنولوجيا لتخصيب اليورانيوم «تحمل عبارة (صُنع في باكستان) على كل أجزائها»، وتشير بعض التقارير إلى أن هذا التعاون شمل أجهزة طرد مركزي غازية تُستعمل لإنتاج يورانيوم يمكن استخدامه في تطوير الأسلحة.

مع هذا التاريخ الطويل من التعاون والدعم الدوليين، تمكنت كوريا الشمالية من إجراء سلسلة من الاختبارات النووية، كان آخرها في 3 سبتمبر من العام الماضي، وأعلنت كوريا الشمالية أنها نجحت بهذا الاختبار في تفجير قنبلة هيدروجينية منخفضة الدرجة.

نظراً إلى هوس كوريا الشمالية الطويل بالأسلحة النووية، الذي ما زال مستمراً على مدى ثلاثة أجيال من القادة العظماء، فضلاً عن مجموعتها الواسعة من الحلفاء السريين الذين يساعدونها في مواصلة برنامجها لأسلحة الدمار الشمال، يبدو من المستبعد أن يتخلى كيم يونغ أون عن القنبلة مقابل وعود لا يعرف يقيناً أن ترامب سيلتزم بها.

كما في السابق، ستركّز المحادثات على الأرجح على ما تحتاج إليه كوريا الشمالية في التو واللحظة: المال، والغذاء، والوقت. أما رؤيتها النووية الطويلة الأمد، فلن تتبدل.

* بيرتيل لنتنر