ندرك مدى الفوضى التي تعم إدارة ترامب عندما نرى أن الضربات الجوية الأميركية على سورية اضطربت إلى التنافس مع فيض من الأخبار عن فضائح الرئيس لاستقطاب اهتمام العامة.

بدأ يوم الجمعة بترامب وهو ينعت مدير مكتب التحقيقات الفدرالي السابق بـ"الإنسان البغيض غير الصادق"، كان يرد على كتاب جيمس كومي الجديد، الذي يصف ترامب بالرجل "غير الأخلاقي" و"غير الملتزم بالحقيقة".

Ad

كذلك انتشرت يوم الجمعة أخبار عن أن كوهن محامي ترامب يخضع لتحقيق جنائي من قبل وزارة العدل لمجموعة من الانتهاكات، وفي اليوم عينه استقال نائب رئيس المالية في اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري بعد الكشف عن أنه دفع رشوة بقيمة 1.6 مليون دولار لعشيقة سابقة، وهي إحدى عارضات "بلاي بوي" كانت قد حملت منه، وكان الوسيط في هذه الرشوة كوهن نفسه، وفي وقت لاحق من يوم الجمعة نشر المحقق العام في وزارة العدل تقريراً مشيناً عن الرجل الثاني السابق بعد كومي، أندرو ماكيب، أما ترامب الذي يعرف الكذب جيداً، فكتب "كذبَ! كذبَ! كذبَ!"، ملقياً مسؤولية هذا التحقيق الملفق "المختلق" على "وكر من اللصوص والخبثاء" في مكتب التحقيقات الفدرالي، مع أن هذا الأخير يخضع لصلاحياته.

فيما كان ترامب يجتمع يوم الاثنين الماضي بجنرالاته وأعضاء حكومته للتخطيط للاستراتيجية ضد سورية، تلهى بوابل مقلق من الانتقادات وجهه إلى مكتب التحقيقات الفدرالي ووزارة العدل لمداهمة مكتب كوهن، فدعا هذه العملية بـ"العمل المشين حقاً" و"الاعتداء على كل ما نمثله"، أما مستشار الأمن القومي الجديد جون بولتون ورؤساء هيئة الأركان المشتركة، فجلسوا بوجوه شاحبة فيما راح ترامب يصب جام غضبه على الموظفين المحترفين في وزارة العدل ومكتب التحقيقات الفدرالي، الذين أقسموا، على غرار القوات المسلحة، على الدفاع عن البلد ضد كل الأعداء في الخارج والداخل على حد سواء.

رغم ذلك، يُفترض بمحللي شؤون السياسة الخارجية الخائبي الأمل أن يضعوا كل هذا جانباً ويعلقوا على الضربات السورية كما لو أن مَن شنها رئيس سليم العقل، حسناً سأُجاريهم في هذه المسألة، ولو لفترة وجيزة.

مثّلت هذه الضربات الجوية الحد الأدنى مما تستطيع الولايات المتحدة القيام به لمعاقبة الحاكم السوري المستبد الأسد على استخدامه الأسلحة الكيماوية، لكنها لن تردعه على الأرجح عن ارتكاب المزيد من الفظائع في المستقبل، شأنها في ذلك شأن الضربة الجوية "العابرة" السابقة في شهر أبريل عام 2017، واللافت للنظر أن ترامب الغافل عن التاريخ وسخرية هذا الوضع غرّد "أُنجزت المهمة!". ولكن سيتبين على الأرجح أن هذا الادعاء "المبالغ فيه" أقل صحة حتى مما أعلنه الرئيس جورج بوش الابن في 1 مايو عام 2003 تحت لافتة عملاقة كُتب عليها "أُنجزت المهمة" على متن حاملة طائرات، فكما أن بوش لم يملك أي خطة للعراق في ربيع عام 2003، كذلك لا يملك ترامب اليوم أي خطة لسورية. على العكس سيواصل على الأرجح الضغط على وزارة الدفاع الأميركية بغية سحب الجنود الأميركيين، متخلياً بالتالي عن حلفائنا الأكراد ومقدماً نصراً كبيراً للأسد وداعميه الإيرانيين والروس.

ولكن من الصعب تخيّل أن ترامب، الذي يتمتع في أفضل الأحوال بمدى انتباه ولد في الثامنة من العمر يعاني فرط النشاط، يستطيع التركيز على الاستراتيجية السورية وسط تهديدات أكثر إلحاحاً يواجهها من تحقيق جنائي لا ينفك يتوسع. لو كانت الولايات المتحدة تملك حكومة برلمانية، لمرر البرلمان اقتراح "حجب الثقة"، تاركاً ترامب لتخصيص كامل انتباهه لمحاربة التهم الكثيرة الموجهة ضده من دون الانتباه لإدارة الحكومة، ولكن بدلاً من ذلك نأمل أن تكون مؤسسات الحكومة الأميركية قوية كفاية لتعمل بشكل ذاتي إلى حد ما، فيما يغرق ترامب في عواقب أخطائه.

* ماكس بوت

* «واشنطن بوست»