في كتابك «السيرة في المنفي» لا تزال ملامح الحزن والخوف سيدة الموقف كما في معظم أعمالك منذ بداية مسيرتك الحافلة ومجموعتك القصصية «الخطوبة». كيف ترى ذلك؟

Ad

الشجن والحزن والخوف في أعمالي ترجمة لواقع نعيشه ليس في الوطن العربي فحسب، بل في العالم كله. ولكني أعتقد أن وراء هذه الترجمة للواقع والمشاعر التي تبدو حزينة، تحريضاً على الفرح، وما يوقظ في نفس المتلقي جانباً من الأمل لم يكن معروفاً له. حتى بالنسبة إلى الكاتب الذي يتعرّض لمصائر الشخصيات التي تبدو حزينة ويسيطر عليها هاجس الموت كشخصية محمود عبد الظاهر في «واحة الغروب»، فإن هذة الفكرة عموماً تجعل المرء أكثر إيجابية في تعامله مع الحياة‏، وكانت تراود البطل دوماً.

ماذا عن روايتك «الحب في المنفى» وقد ألقت تجربة الغربة بظلالها عليك؟

في روايتي «الحب في المنفى»، عشت تجربة الغربة حيث كنت أعمل في منظمة اليونسكو، وهي تجربة زاخرة بالأحداث والمواقف، وقد استفدت كثيراً من هذة التجربة التي تأرجحت كما قلت في سيرتي الذاتية من الصعيد بتفاصيله الملهمة وحكايات الأم، مروراً بالقاهرة بتأثيراتها الطبقية والفكرية في المجتمع، وصولاً إلى الرؤية الشاملة التي تخصّ الإنسان عموماً. عايشت الغربة وهي تجربة لم يتوافر مفر منها، وعايشت معها قضايا عدة من بينها الصراع بين الشرق والغرب من أكثر من زاوية، خصوصاً الإنسان في حد ذاته. ووجدت أن مأساة الإنسان الشرقي لا تختلف كثيراً عن مأساة الإنسان الغربي، وأدركت أن صِدام الحضارات مجرد تصوّر خبيث ومشبوه ومغلوط للعلاقات الدولية.

آفة الاستبداد

يرى كثيرون أن قضية العلاقة بين الشرق والغرب شغلتك كثيراً.

لم تشغلني تلك القضية‏ كموضوع مستقل بذاته‏،‏ بل ثمة قضايا أخرى تستدعي الرجوع إليها بتأمل روايتي «الحب في المنفى» وغيرها. مثلاً، كان يشغلني في رواية «واحة الغروب» الاستبداد، الاستبداد من جانب الاستعمار الإنكليزي في بداياته، والذي نجم عنه تفكيك المجتمع المصري‏،‏ أو الاستبداد في ايرلندا والذي عبرت عنه‏» كاترين‏» بطلة الرواية‏،‏ أو ربما الاستبداد الذي يعانيه المجتمع الصغير لواحة سيوة‏.‏ هو أيضاً الاستبداد في عهد الإسكندر الأكبر والذي ولد معه الخوف والخيانة وتمزق الشخصية‏. تحدثت عبر سطور الرواية في إفاضة عن المصريين القدماء وسلطان الكهنة والإسكندر الأكبر الذين جعلوا منه فرعوناً وأوحوا إليه بفكرة ‏«السلطة المطلقة» التي تتنافى مع تعاليم أرسطو، معلم الاسكندر الأكبر في صباه، والذي درسه مبادئ وأسس الديمقراطية الأثينية واليونانية.‏ لكن آفة الاستبداد استشرت وصارت مرضاً تتبدى آثاره في المجتمع والأفراد على سواء‏.‏ تلك هي الأفكار الرئيسة التي حاولت أن أعبِّر عنها‏ في «واحة الغروب». ‏

ربما لا يعرف كثيرون أن لك كتابات عن المسرح وأنك كتبت الشعر أيضاً.

شغلني المسرح منذ زمن طويل مضى، وتناولت أعمالاً مسرحية عدة بالنقد، وكان ذلك منذ انتهاء عملي في الإذاعة. كنت أكتب مقالاً نقدياً في نشرة مسرحية اسمها «في الأتوبيس»، كان يرأس تحريرها سعد الدين وهبة، وكنت أتقاضى عنه خمسة جنيهات. كذلك كتبت مسرحية في فصل واحد نشرت في «في الأتوبيس». كتبت الشعر أيضاً في بواكير حياتي ولكني سرعان ما اتجهت إلى القصة القصيرة ولي في البداية قصة اسمها «سندس» أعجب بها يوسف إدريس كثيراً، وتوالت المسيرة.

الواقع والتجربة

هل أنت راضٍ عن تجربتك؟

الرضا كله. يكفي أنني أضحك الآن كلما أذكر موقفاً حدث معي. بمرور الوقت تصبح الحكايات المأساوية مضحكة. ذكرت أكثر من مرة أن قرار يوسف السباعي بطردي من الإذاعة كان فاجعاً بالنسبة إلي حينها، والآن كلما تذكرت ذلك أضحك، فهو أعلن ندمه بعد ذلك، ويا لها من حياة تمرّ وأنا أوقن تماماً الآن أن الكتابة تستخرج بواطن الأرواح، وغايتها أن نستخلص ما نريد، وما زالت شخصيات رواياتي وقصصي تعيش معي لم يمت أحد منها. يفنى الكاتب وتبقى آثار حكاياته علامات أصيلة على أن كائناً ما عاش هنا منذ زمن. ويبقى الحلم شمس الحياة فيما التخلي عن الأحلام نوع من الانتحار.

كيف ترى الواقع الأدبي راهناً؟

تسيطر على الواقع الأزمات وشعور الناس بالانهزامية. ولكن لا يجب أن يمثِّل ذلك شيئاً للكاتب، فالكتابة الأدبية رغم ما تشهده من ازدهار وإبداعات جديدة وأسماء كثيرة مثل سعد القرش ومحمد كمال حسن ومحمد علاء الدين ومحمد إبراهيم طه وحسن عبد الموجود وغيرهم كثير من الشعراء والروائيين الشباب، لا تسعفني الذاكرة الآن بإسمائهم، فإن الواقع الثقافي عموماً هزيل. تحتاج الكتابات إلى الاهتمام بها، وعدم تركها تسقط في دوامات الصمت. لا تتوافر مواكبات نقدية جديرة بهذه الأعمال،‏ ‏فالمساحة المتاحة للنقد الأدبي في الصحف والمجلات محدودة جداً، فضلاً عن أنها لا تتمتع بطابع الانتظام‏.‏ لدينا نقاد ولكن ربما لا وجود لمنابر تعبِّر عن النقد‏.

ما هي طقوسك اليومية؟

استيقظ مبكراً ثم أصلي وأعدّ بعد ذلك فطوراً خفيفاً وكوباً من الشاي. أشاهد التلفاز أو اقرأ في كتاب أو في جريدة. لا أخرج من البيت إلا بضغط من بعض الأصدقاء. وبقية الوقت أمضيه في تأمل ما مضى، فقد عاصرت تغيرات كبرى عصفت بالمجتمعات الإنسانية، وعلى المستويات كافة سواء السياسية أو الثقافية أو الجغرافية. أحياناً، أمسك القلم لأدون بعض الأمور من واقع تأملاتي.

نقطة نور

بهاء طاهر أحد الرموز الأدبية في مصر والعالم العربي. نشر أولى مجموعاته القصصية «الخطوبة» عام 1972، وضمت القصص التي نشرها في الستينيات، ثم توالت أعماله الروائية مثل «بالأمس حلمت بك، وأنا الملك جئت، وقالت ضحى، وشرق النخيل، وخالتي صفية والدير، والحب في المنفي، وذهبت إلى الشلال، ونقطة النور، وواحة الغروب»، وأخيراً كتابه «السيرة في المنفى».

نال جوائز عدة أبرزها جائزة الدولة المصرية في الأدب، وجائزة البوكر العربية. كذلك ترجم رواية باولو كويلهو الرائعة «ساحر الصحراء».