الدولة الريعية هي الدولة التي تتولى شؤون المواطن من المهد إلى اللحد، منذ أن يولد فتعليمه ثم توظيفه وتوفير الأساسيات لحياته، وأخيراً سيارة الإسعاف وكفن البلدية إضافة إلى أرض يُدفن فيها، هذا حال دول الخليج العربية في العصر النفطي.

إن الدولة مسؤولة عن المواطن بغض النظر عن إنتاجيته وفعله في حياته بتوفير احتياجاته؛ لأن إمكاناتها متوافرة، هي دول صغيرة بمساحتها وسكانها وإمكانات كبيرة إلى درجة أن داء الدولة الريعية الخليجية قد أصاب عدداً من الوافدين إليها، وأصبح صعباً عليهم العيش في دولهم بعد قضاء فترة مهمة من حياتهم للعمل في دول منطقة الخليج العربي.

Ad

لقد خلقت الدولة الريعية بفعل عاملين، عائدات النفط والتعليم الحديث، طبقة وسطى تضمنت بطالة مقنعة، واتسع نطاقها بحيث أصبحت عبئاً على دول المنطقة على الرغم من وجود الأعداد الكبيرة من الوافدين في دول المنطقة، بيد أن إفرازات الدولة الريعية الإيجابية والسلبية يجب أن تخضع للتقييم والنقد، ويجب الانتظار لمرحلة رحيل وانتهاء الظاهرة بمعنى يجب مواجهة مشكلاتها حتى لا تؤثر سلباً على القادم من الأيام، وأي تفكير في العلاج يتطلب معرفة طبيعة الظاهرة التاريخية وأسبابها قبل كل شيء.

أولاً: إن عائدات النفط الكبيرة في مجتمعات صغيرة قد خلقت ظاهرة الدولة الريعية؛ مما أدى إلى الإنفاق الهائل في كل الاتجاهات والذي صاحبه هدر وفساد.

ثانياً: أسلوب السلطات في الإنفاق على كل شيء بسخاء من منطلق توافر الثروة مما أدى إلى خلق ظواهر سلبية منها البطالة المقنعة في دول الخليج العربية، وهذه بحاجة إلى وقفة في وقت آخر.

ثالثاً: وجود ثقافة استهلاكية لدى المواطن ساعدت في وجود الظاهرة واستمرارها باتجاه عدم الإنتاجية مما نتج عنها اعتماد قطاعات واسعة في هذه الدول على الوافدين من الخارج.

رابعاً: بدون شك فإن دولة بهذه المواصفات ستشهد ظواهر الهدر والفساد لأسباب موضوعية على رأسها وفي مقدمتها غياب الرؤية الاستراتيجية التنموية، فلا هي تعالج مشكلات الحاضر، ولا تضع في حسابها مشكلات المستقبل.

الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية:

إن بقاء الأوضاع على ما هي عليه ليس حلاً، بل لا بد من دراسة الآثار السياسية والاجتماعية والاقتصادية للظاهرة، وكل ما تتضمنه هذه الظاهرة يحتاج إلى دراسة وتأمل، فالآثار السياسية تتطلب صهر مكونات المجتمع باتجاه الأهداف الأساسية، وتوفير العدالة والمساواة والحقوق الدستورية، وفي الجانب الاجتماعي تمكين المواطن من المساهمة الفعالة في العمل بعدم الاعتماد الدائم على الوافد، وهذا يقود تدريجياً إلى تعديل التركيبة السكانية في المجتمع، ولعل الجانب الاقتصادي في دولة الرفاهية الريعية يحتل مرتبة متقدمة، ذلك أن الآثار الاقتصادية هي الأساس في خلق الظاهرة، وهي ناتجة من عائدات النفط ونموها في فترة زمنية قياسية لا تتجاوز نصف قرن من الزمان، وهي مدمرة إن لم يتم ترشيدها وتوجيهها علمياً في خطط تنموية تصب في رؤية استراتيجية شاملة.

مستقبل ظاهرة الدولة الريعية:

إن دولة الرفاهية الريعية في التاريخ مؤقتة مهما طال عمرها، ولذلك نجحت قيادة تلك الدول ذات الفكر الاستراتيجي في الاستفادة من مرحلة الرفاهية والريعية للمرحلة التالية عليها، والتي لم تكن ولن تكون تحمل مواصفاتها وإمكاناتها إلى جانب تغير الظروف والإمكانات في المرحلة الجديدة، والسؤال الذي يلح علينا هل وضعت دول الخليج العربية ذلك في حسابها، وهي تعيش الظاهرة استعداداً لما بعدها، بمعنى هل فكرت في مشروعات استراتيجية مستفيدة من إمكانات هذه المرحلة للمستقبل؟ وقد تكون المشكلة في أن مثقفي المجتمع في الدولة الريعية لم يفكروا أو غير قادرين على مثل ذلك التفكير لمساعدة دولهم في الرؤية الاستراتيجية لمجتمع ما بعد دولة الرفاهية الريعية في دول الخليج العربية؟