نسمع الآن قرع طبول حرب جديدة في المنطقة ستضاف إلى الحروب المشتعلة منذ سنوات، ففي السابق كان يقال "حربٌ تلد أخرى" في المنطقة، أما الآن ولا سيما بعد الأزمة الاقتصادية الرأسمالية التي انفجرت عام 2008 ثم بروز اليمين المتطرف في أميركا الذي يُمثّله الرئيس ترامب ومجموعته، وكذلك في بعض دول الاتحاد الأوروبي، لم يعد الوضع "حربٌ تلد أخرى" كما كان في السابق، بل حربٌ جديدة تنضم إلى حروب مستمرة، وهذا معناه أن صفقات بيع الأسلحة الغربية الضخمة والفتاكة أصبحت بالجملة وبمليارات الدولارات، وازدياد الدمار البشري والبيئي والمادي الذي ستظل آثاره السلبية باقية في المنطقة عقوداً طويلة قادمة.

لقد أفشل التدخل الدولي والإقليمي سواء بشكل مباشر أو غير مباشر الثورة الشعبية السورية، وتسبب في اندلاع حرب أهلية راح ضحيتها حتى الآن ملايين البشر بين قتلى وجرحى ولاجئين ومشردين يعيشون في ظروف معيشية في غاية القسوة.

Ad

وفي حرب اليمن يتزايد يومياً عدد الضحايا الأبرياء من الأطفال والمسنين، وتحولت حياة أعداد كبيرة من اليمنيين إلى بؤس وشقاء؛ نتيجة نقص الأغذية والماء والدواء، وتفشي الأمراض الوبائية والتوتر النفسي والقلق والخوف، بسبب مشاهدة القتل اليومي والإصابات البشرية والشعور باحتمال مواجهة الموت في أي لحظة، فضلاً عن الدمار البيئي والمادي الرهيب، والوضع المزري في ليبيا والعراق لا يقل سوءا عما سبق.

وهنا يحق لنا أن نتساءل بحرقة وألم: إلى متى تستمر الحروب العبثية في منطقتنا التي إما تشعلها أو تصب الزيت عليها دول رأسمالية احتكارية معولمة؟ أما آن لنا كشعوب أن نعيش حياتنا بأمان وهدوء واستقرار، ونرتاح من متابعة هموم الحروب وأخبارها؟ ولماذا هذا الصمت المُطبق من حوالينا؟ أين دعاة السلام وقوى التقدم في المنطقة وفي العالم، وهم يرون الدمار البشري والمادي، واستنزاف ثرواتنا أوطاننا وخيراتها في صفقات سباق تسلح ضخمة لا يستفيد منها سوى اقتصادات الدول الرأسمالية من أجل التخفيف من حدة أزماتها، ومعالجة انخفاض أرباح مصانع الأسلحة الغربية والمؤسسات المالية المرتبطة بها؟

أين القوى الحيّة في مجتمعاتنا، وهي ترى الدمار الرهيب في منطقتنا بعد أن دُمرت الأرض ولُوثت البحار؛ فأضحى تأثير الحروب شاملاً الجميع، حيث إن معظم الأغذية التي نأكلها أصبحت مسممة، وصار الماء والهواء ملوثين لذلك انتشرت الأمراض الفتاكة والمزمنة حتى في المناطق التي لم تتعرض مباشرة للحروب، وزادت، من ثم، أرباح المصانع الضخمة والاحتكارية التي تُنتج الأدوية والمعدات الطبية؟

هل تراجع الحس الإنساني في العالم في هذه المرحلة البائسة من تطور البشرية التي سيطرت خلالها قوى الرأسمالية الاحتكارية المعولمة التي لا يهمها الإنسان، بل تحوله إلى مجرد رقم في معادلة حسابية تستهدف تعظيم أرباح شركاتها متعددة الجنسية، فنراها تبحث باستمرار عن مناطق جديدة للسيطرة والنفوذ تمكنها من تصريف بضائعها والخروج من أزماتها الاقتصادية المتتالية؟