يقول هانس دو بوير وهو رئيس في إن أو-إن سي دبليو الذي يمثل جماعة الضغط (اللوبي) التجاري في هولندا إن كل شعوب بحر الشمال يرتبط بعضها مع بعض، ويضيف وهو يحدق من شرفة منزله في الدور الثاني عشر في مدينة لاهاي الهولندية أن ذلك المكان ليس سيئاً بالنسبة إلى المواطن الهولندي من أجل التفكير في عواقب وتداعيات خروج بريطانيا من الاتحادالأوروبي (البريكست).

وعلى سبيل المثال فإن ميناء روتردام– وهو الميناء الأكثر ازدحاماً في القارة الأوروبية– يمكن أن يشاهد بوضوح، كما أن أكثر من 80 ألف شركة هولندية تحتفظ بعلاقات تجارية مع بريطانيا وتنتقل 162 ألف شاحنة بين البلدين في كل سنة، ويحسب بنك رابو الهولندي أنه حتى في حال الخروج السلس لبريطانيا من الاتحاد الأوروبي فإن ذلك سيخفض نسبة تصل الى 3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2030، وإضافة إلى ذلك لا توجد دولة– باستثناء ايرلندا– ستعاني نتيجة لذلك أكثر من هولندا، ويقول السيد دو بوير إن «البريكست لم يكن خيارنا المفضل».

Ad

جهود الحكومات الهولندية

وقد حاولت الحكومات الهولندية خلال الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي ضم بريطانيا الى النادي الأوروبي، وعندما صوتت بريطانيا للخروج من التكتل الأوروبي في شهر يونيو من عام 2016 تساءل البعض اذا كان بالإمكان قيام هولندا بخطوة مماثلة، ويذكر أن محن العوامل الاقتصادية والهجرة االتي شهدها الاتحاد الأوروبي طوال سنوات عديدة قد اختبرت صبر الناخبين بشكل جلي، ويبدو أن رئيس الوزراء الهولندي مارك رات الذي شغل هذا المنصب منذ سنة 2010 ليس راغباً في القيام بخطوة مماثلة بالنسبة الى أوروبا.

وما حدث في وقت لاحق كان أكثر إثارة للاهتمام، فقد فاز رات في الانتخابات على الرغم من أن نجاح غيرت وايلدرز وهو داعية خروج هولندا من الاتحاد الأوروبي أيضاً قد أجبر رات على تشكيل ائتلاف حكومي من أربعة أحزاب وبأكثرية طفيفة، ولكن بدلاً من الاستمرار في القيام بدور المعطل انضم رات– بنصيحة من مستشاريه– الى الجدال الأوروبي بقوة غير مألوفة.

وفي أوائل شهر مارس الماضي قام بزيارة للعاصمة الألمانية برلين حيث ألقى كلمة حول الاتحاد الأوروبي كانت التدخل الأول له منذ تسلمه رئاسة الوزراء في سنة 2010، وبعد ذلك بوقت قصير أصدرت هولندا وسبع دول صغيرة في شمال وشرق أوروبا وثيقة تحدد رؤية مشتركة حول الاتحاد الأوروبي.

ولم يشمل ذلك كله أي تغير جوهري في السياسة، ولا تزال هولندا تريد الحد من تشاطر المجازفة والانفاق العام في منطقة اليورو اضافة الى تعزيز التجارة بين دول الاتحاد الأوروبي، ولكن دو بوير يقول إن الهدف من وراء ذلك هو تطمين الناخبين في هولندا لا مهاجمة الاتحاد الأوروبي، ويشكل الخطاب في برلين تغيراً في أسلوب رئيس الوزراء الذي اشتهر منذ زمن طويل بالنأي عن الجدال في القضايا الأوروبية.

توضيح الأسباب

ومن أجل توضيح الأسباب والدوافع يلاحظ رات أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يتطلب من هولندا إعادة تفعيل عملها الدبلوماسي المتوازن المستمر منذ أربعة قرون بين فرنسا وألمانيا وبريطانيا، ويعني ذلك القيام بشيئين: الأول هو التزام راسخ نحو أوروبا، وتريد هولندا أن يضع الاتحاد الأوروبي علاقات تجارية قوية مع بريطانيا، والثاني هو الرغبة في تشكيل ائتلاف مؤقت حول قضايا معينة.

ويقول رات بوجود قضايا تستحق اعادة النظر مثل سياسة الهجرة في ألمانيا والتجارة واليورو وبعض الدول الأوروبية حول الأسواق الأوروبية الداخلية إضافة الى موقف فرنسا إزاء تغير المناخ، ويقول بن كنابن وهو وزير أوروبي سابق إن «البريكست هو نداء استيقاظ» حيث تكتفي هولندا في أغلب الأحيان بترك بريطانيا تتصدر العمل وأصبح على الأوروبيين الآن القيام بالعمل بأنفسهم.

ويعتبر هذا بشكل جزئي استراتيجية تحوط في وجه قوة كبرى، كما أن الخوف الذي أفرزه المحرك الألماني-الفرنسي يقبع في قلب بنية الدبلوماسية الهولندية، وعلى الرغم من ذلك فإن الدبلوماسيين الهولنديين يشعرون بتفاؤل حذر بأن ألمانيا لن تتخلى عنهم بسبب أمور مثل ميزانية الاتحاد الأوروبي أو اصلاح منطقة اليورو.

وفي حقيقة الأمر فإن ألمانيا يسعدها وجود مجموعة من 8 دول على استعداد للهجوم لأن برلين وضعت تلك المجموعة في صلب الجدال، وقد أعرب بيتر ألتماير وهو وزير الاقتصاد الألماني والمقرب من المستشارة أنجيلا ميركل عن دعمه للائتلاف.

دور الرئيس الفرنسي

ولكن رات يستثمر أيضاً في الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وبعد أن استضافه لمرتين في باريس توجه الى لاهاي في الأسبوع الماضي ومع أن العداوة بين فرنسا وهولندا عميقة، وخصوصا فيما يتعلق بمنطقة اليورو، فإن هولندا تسعى الى اقامة مناطق صد وطنية أكثر قوة من أجل توفير الحماية من الأزمات المحتملة فيما يجهد الرئيس ماكرون الى بناء هيئات متقدمة وميزانية مشتركة كبيرة جداً.

ويقر رات بوجود خلافات لكنه يشير الى أنه اذا تمكن من ابرام اتفاق مع ماكرون فإن بقية دول الاتحاد الأوروبي قد تمضي في المسار نفسه. (ولكن لدى ألمانيا ما تود قوله في هذا الشأن على أي حال) كما أن الدبلوماسيين الهولنديين المحبين للتجارة كانوا يخشون من دعوة الرئيس الفرنسي الى «قيام أوروبا التي تحمي» ولكنهم في الوقت الراهن يتساءلون ما اذا كان لدى ماكرون وجهة نظر صحيحة في ضوء التوسع في الاستثمارات الصينية والتهديد الروسي وتعرفة الرئيس دونالد ترامب والأخطار الارهابية.

لحظة حساسة

إنها لحظة تتسم بحساسية بالنسبة الى هولندا، ومن شأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إقصاء حليف مع أن ذلك يشكل فرصة للقيام بمبادرة، وإضافة إلى ذلك، فإن تجدد العلاقة بين فرنسا وألمانيا يمثل خطراً وفرصة من أجل رسم صورة الجدال القائم، وقد أفهم الاتفاق بين الاتحاد الأوروبي وتركيا المتعلق بالحد من الهجرة غير الشرعية والذي تم التوصل اليه في سنة 2016 وبمساعدة من هولندا أفهم رات أن ثمة دورا للعمل الأوروبي في اصلاح المشاكل الوطنية.

ويعترف المسؤولون الهولنديون بضعف دورهم في هذا العالم الجديد، كما أن رات يرفض أي إشارة الى وصف بلاده «بالدولة الصغيرة».

وعلى الرغم من ذلك يتعين عليه توخي الحذر ازاء ردة الفعل في الداخل، وأعضاء البرلمان بمن فيهم الأعضاء في الأحزاب الحاكمة إضافة الى وسائل الإعلام يتنبهون الى عواقب جر بلادهم الى «اتحاد انتقالي» تابع للاتحاد الأوروبي.

ويحذر الهولنديون بازدياد من دول أوروبا الشرقية التي ترفض قبول اللاجئين، كما أن اليمين المشكك في الفكرة الأوروبية لديه بطل جديد يدعى ثيري بوديت، ولكن دعوته الى هولندا للخروج من الاتحاد الأوروبي لها أصداء وجيهة.

ومن شأن ذلك وحده أن يرغم رات على اتخاذ موقف متشدد في الجدال المقبل في الاتحاد الأوروبي حول إصلاح حق اللجوء والميزانية ومنطقة اليورو، وبالنسبة الى الكثير من الأوروبيين ستظل هولندا العضو غير الملائم في هذا التكتل.