للوهلة الأولى، قد يوحي العنوان بمقال سياسي، لكنه أبعد ما يكون عن ذلك، فالقضية الفلسطينية، قضية حقيقة إنسانية ماثلة أمام الضمير العالمي، وقضية شعب، وقضية تاريخ، وقضية حقوق، وقضية درب مليء بالتضحيات والوجع والتآمر، ومليء بإرادة أجيال تأبى وترتفع فوق أي كسر أو تركيع، لذا هي قضية ثقافة أمة بأكملها بامتياز.

يوم الأرض، هو مناسبة يُحييها الفلسطينيون في 30 مارس منذ عام 1976، يوم قامت السلطات الإسرائيلية بمصادرة آلاف الدونمات من الأراضي ذات الملكية الخاصة أو المشاع في مناطق ذات أغلبية سكانية فلسطينية. لكن، ما يجب التوقف عنده، أنه منذ وعد بلفور 1917، وما تبعه من مآسٍ على أرض فلسطين والأراضي العربية، وصولاً إلى نكسة 1967، التي كرَّست واقع الاحتلال الإسرائيلي لأرض فلسطين، منذ تلك التواريخ برزت القضية الفلسطينية بوصفها قضية الأمة العربية، وقضية الأمة الإسلامية، وهي قضية نضال إنساني مشروع قلَّ مثيله في التاريخ!

Ad

أجيال وأجيال من الشعب الفلسطيني والشعوب العربية تربَّت على أن قضية فلسطين وحدها هي لبُّ القضايا العربية المصيرية. وقضية فلسطين وحدها هي المتقدمة على جميع ما سواها من القضايا العربية القطرية. ووحدها قضية فلسطين كانت ولم تزل سكينا يُدمي الخاصرة العربية. لكن، ما حصل ليلة 9/ 11/ 1989 بتحطيم وسقوط حائط برلين، واحتلال الكويت في 2/ 8/ 1990، وتالياً تفكك الاتحاد السوفياتي في 26/ 12/ 1991، ومن ثم تفجير برجي مركز التجارة الدولية بمنهاتن ومقر وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) في 11/ 9/ 2001، منذ هذه التواريخ والعالم يشهد عولمة مندفعة لغسل دماغ إنساني كوني على مدار اللحظة، في مختلف مناحي الفكر والثقافة والفنون، ومؤكد أن الشعوب العربية جزء لا يتجرأ من ذلك!

نعم، العالم قرية كونية، وهو يعيش لحظة تاريخية متفردة؛ من توحيد تفكير وذائقة إنسانيين لم يسبق لهما مثيل. فبسبب انتشار واجتياح الإنترنت لكل بقعة من بقاع الأرض، وبسبب محركات البحث، والمواقع الإلكترونية، وشبكات التواصل الاجتماعي، ووصل علاقات التلفون الذكي، كل هذا مجتمعاً جعل الإنسان مخلوقا كونيا يعيش أحداث اللحظة الإنسانية أينما كان بشكل شبه موحد، ما دفع ويدفع لتشكيل ذائقة إنسانية تهتم وتلتهم ليل نهار ما يُقدم لها على أطباق الإعلام العالمي. لذا، فإنسان اليوم بات يعيش عصر إعلام بامتياز، عصر صورة بامتياز، عصر شبكات تواصل اجتماعية بامتياز، ووحده الإعلام يشكِّل ويلوِّن ذائقة وضمير ووجدان الإنسان الكوني، وبالتالي يتحكم في وعيه.

أجيال كثيرة من أبناء الأمة العربية، وفي مختلف الأقطار العربية، باتت لا تعرف كيف تتكلم العربية، لأنها درست وتدرس في مدارس أجنبية. وأجيال عربية أكثر منها، كبُرت وتكبُر وهي لا تعرف شيئاً عن قضية فلسطين والشعب الفلسطيني. لذا، فالقضية الفلسطينية اليوم هي أحوج ما تكون لأن تبرز بوصفها قضية نضال إنساني، قضية عدالة إنسانية، قضية صراع ضد القتل، قضية رجوع حق لأهله. وهي بهذا كله تكون قضية فكر، وقضية ثقافة، وقضية فنون بكل أنواعها.

نعم، المفكر والمبدع والفنان العربي لم يكونوا مطالبين في يوم من الأيام بالوقوف إلى جانب القضية الفلسطينية كما هو اليوم. ففي ظل انفتاح العالم على الحدث العالمي، وعلى مدار الساعة، وانفتاح العالم على الكلمة، وانفتاح العالم على الصورة، وانفتاح العالم على مختلف أنواع الفنون، صار المفكر والكاتب والفنان العربي مطالبين بصدق ضمائرهم لأن يخلصوا للقضية الفلسطينية، ولأن يبقوا يذكِّرون بها ما أمكنهم ذلك.

لا يصح أن تغيب قضية فلسطين وقضية نضال الشعب الفلسطيني عن أجيالنا الناشئة، ولا يصح أن ينزوي العربي لشأنه الخاص، دون أي التفاتة لقضية فلسطين، ولو أن الوجع العربي يمضُّ الروح كما لم يكن في أي مرحلة من مراحل التاريخ الحديث.

لفلسطين الحبيبة في يوم الأرض كل المحبة، ولها أمل كبير بحجم نضال شعبها العظيم.