ثقافة الاستهلاك باتت ظاهرة إدمان استهلاكي مفرط سيطر على الجميع، باختلافات التوجهات والرغبات، ومع مختلف الطبقات الاجتماعية في الخليج، وبالكويت على وجه الخصوص، وربما لم يفلت من شباكها أحد. الكل بات فريسة داخل شبكة الإدمان الاستهلاكي الواسعة الممتدة خيوطها من كل أرجاء العالم. الإدمان الاستهلاكي بات سمة وصفة ثقافة هذا العصر، ومهما اختلفت درجات الوعي بين الشعوب والأفراد، إلا أنه لا أحد استطاع بالفعل النجاة والهروب من ثقوب هذه الشبكة الجهنمية، التي تمتلك مخططات تستطيع أن تسيطر بها على الجميع، وفق نوعيات توجهاتهم ورغباتهم واهتماماتهم ودراسة المغريات المفخخة لهم. إذن، نحن وقعنا في فك هراسة اقتصادية عالمية قادرة على استنزاف جيوبنا ومدخراتنا وموارد اقتصاد بلادنا حتى آخر رمق فيها، كيف؟!

ثقافة العولمة وضعت كل اقتصادات العالم وموارده ضمن مخططاتها، التي تهدف إلى حلبها وامتصاصها، وجعلها تحت سيطرة القوى الاقتصادية العظمى "المتغولة" المسيطرة على البنوك والصناعات الكبرى والسلاح وتجارة المخدرات وغسل الأموال وغيرها، وأينما وليت وجهك، فستكون بأي شكل تحت سيطرتها، لأنها هي بالفعل مَن يدير العالم، ويتحكم في تروسه، ويرسم له خارطة تحدد نوعية استهلاكه، بحسب موارد كل بلد وطبيعة شعوبه. البلاد غنية الموارد هناك مغريات مختلفة لاستنزافها وبرضائها التام يتم حلبها بشكل استعماري متحضر جديد، تتم سرقة مواردها في وضح النهار تحت مسميات الإنتاج الاستهلاكي.

Ad

الشعوب الفقيرة أيضا يتم حلبها بطريقة تناسب قلة مواردها وفقرها، وهي أن يصدر إليها فضلات الاقتصادات العظمى المنتهية الصلاحية، ولم يعد لها قيمة في بلادها، يعاد بيعها وتصديرها لهم، حتى لا يستطيع أي منهم الهروب والاستغناء عن الحاجة لمنتجات العولمة الجديدة، وألا يكون بمقدورها النفاذ من خروم شبكة العولمة الاقتصادية الجهنمية.

الإعلانات من أهم أدوات هذه الآلة الطاحنة الهراسة وذراعها اليمنى في ترويج وتوصيل كل المخططات الاقتصادية إلى مساراتها ونجاح أهدافها.

الإعلانات باتت القناصة الماهرة والذراع الأطول والأشرس لهذه الشبكة العالمية "المتغول" اقتصادها، لم تترك أي مجال لأحد للهروب من إغراء دعاياتها، لكل طبقات أفراد المجتمع، وبكل تنويعاته وانتماءاته ومعتقداته، لكل فئة هناك باترون جاهز مفصل تماما على قياس أهوائها أو توجهها الفكري والنفسي والعاطفي، لا أحد يمكنه النجاة منها، فالطبقات الغنية لها ترويج ملائم تماما لاستنزافها، بحكم التباهي بإدمان الترف والرفاهية والتسابق للتفوق في مضمارها، وهناك الطبقات الوسطى والموظفون الأقل منها، والتي تحاول أن تجاريها وتلحقها في ذات المضمار، حتى إن كان عن طريق القروض والاستلاف. وقد ينظر البعض إلى أن الناجين من غرق الإدمان في سفينة القرصان هم المتدينون الملتزمون الذين لن تغريهم إعلانات الترف الدنيوي الهالك، لكن شبكة القنص الماهرة لن تتركهم فالتين منها، ستفصل ما يلائمهم، وما يتفق مع توجهاتهم ومتطلباتهم، وعلى هذا ستزداد المنتجات ذات الطابع الديني، وتزداد مغريات إدمانها.

أصبحنا جميعنا مرضى بالإدمان الاستهلاكي، وأصبح الاستهلاك ظاهرة مرض عصر العولمة الحديث، وأصبح الشراء أكثر من الحاجة إليه، شراء لمجرد الشراء، والهرولة خلف إعلاناته السحرية، وبتنا نشتري أكثر مما نحتاج إليه، وننسى ما اشتريناه في الخزانة وهو معلق بأوراقه لم يُلبس بعد، فبغمضة عين حل علينا منتج استهلاكي جديد يغزو الشاشات المضيئة بأيدينا ويغرينا باللحاق به، وخاصة عندما جُندت الفتيات الجميلات للترويج والإعلان عن المنتجات المختلفة، سواء كانت عمليات التجميل، وما يتبعها، أو مطاعم ومقاهي ومولات، كل يوم هناك الجديد منها، وباتت الجميلات أدوات أو مسامير في هذه الآلة الجهنمية، وإعلانات دعائية حية من لحم ودم تبث وتزيد من سموم الإدمان الاستهلاكي في المجتمع، وبات جيل نامٍ من الصبايا الصغيرات يتبعن إغواءهن ويلحقن مسار أهاليهن في الاستهلاك الترفي المرضي، حتى طفحت الدواليب والخزانات بما فيها، ملابس وأدوات ليس لها حصر تُنسى بمجرد ظهور سلعة أخرى تنافسها وتلغيها.

أموال تهدر وشعوب تمتص مقدرات خيراتها وتسفه عقول شعوبها، وديون تتزايد لناس باتوا ألعوبة في شبكة بمعنى الكلمة عنكبوتية، وإعلانات للنصب والترويج كاذبة، وثراء تتراكم كتله فوق بعضها البعض في خزائن آلة الاقتصاد الجهنمية العالمية على حساب تدمير وامتصاص ثروات شعوب باتت مدمنة استهلاك رفاهية كاذبة.