اشتعلت حملات في مواقع التواصل الاجتماعي ضد ما يسمى بمهنة "الفاشينيستا"... وأرى أن هناك ظلماً كبيراً ضدها، فليست كل "فاشينيستا" متبرجة، فبعضهن يكتفين بعرض منتجاتهن لا مفاتنهن.

ويعني مصطلح الفاشينيستا، باختصار، أي شابة تروج أزياءها أو أزياء غيرها مقابل أجر معين، فإذا حضرت بمطعم طلب منهاخدمة تسويق فسيدفع لها وليمتها وفوقها الألوف من الدنانير، لأنها، ولو لم تذق شيئا، قائدة لمتابعيها من الألوف أو الملايين.

Ad

كل مجتمع فيه تناغم اجتماعي صحي ترى فيه قادة يُشعرون متابعيهم بالأمان بقدر ما "يتبعونهم" في القول والعمل واللبس، ولكن بعض الفاشينيستات زدن عن المقبول، وزاد متابعونهن، فغلبت عقلية الأرباح على المقصد الأساسي، ألا وهو مجرد ترويج فستان أو طقم ألماس، إلى أن أصبح هناك عرف لدى الاستشاريين الإعلاميين في أي شركة بأن يخصصوا ميزانية لخدمات الفاشينيستات... فهل هذا عيب أو حرام؟

"فاشينيستا" كلمة مشتقة من كلمتين، "فاشن-Fashion" التي تعني الموضة بالإنكليزي، و"نيستا-Insta" التي تعتبر اختصاراً لكلمة الإنستغرام... وأود أن أعبر عن رأيي الشخصي بشكل أكثر مباشرة، وأقول إنني أدعم كل فاشينيستا وأشجعها على مجهودها التي تكسب منه الأرباح التي لا يحلم بها آلاف العاطلين، ولكن ينبغي عليها ألا تظهر مفاتنها، لتكتفي بجودة منتجاتها لا بكمية الشباب التافهين الذين يتابعون الحسابات النسائية على أمل وألم.

من أحلام البنت أن تعبر عن أنوثتها وجمالها للآخر، وينبغي أن يكون ذلك للشخص الذي سيصونها كزوجته وليس من يتسلى بشكلها ويتركها لغيره، وأقول لكل متبرجة ألا تعتاش على مدى جاذبيتها المؤقتة التي خصها الله سبحانه وتعالى لزوجها لا لغيره، ولذلك أمر الله المسلمات في كتابه العزيز: "وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأولىٰ"، وما معنى فِعل "التبرج" إلا أن تبرز البنت نفسها مثل البرج بين الخلائق.

عرب الجاهلية قبل الإسلام لم يقبلوا ترويج السلع عبر جذب المستهلكين إلى مفاتن نسائهم من أخت أو زوجة أو أم، مهما بدت المقاصد "عفيفة". وأنا ككاتب أشجع الفاشينيستات كلهن، في حالة عدم دخول الشباب إلى حساباتهن وعدم فتنتهن لشباب بشكل أو آخر، فأسماء العوائل ليست لعبة، ولتكن المهنية مركزة على المنتج ليتجلى الإبداع الحقيقي، لا بــ"الاندلاق العاطفي" وحركات الإغراء.

باختصار، هذه مهنة لا تقصد بها البنات المال بقدر التسلية وجذب الأنظار وخلق روح العمل، بحجة أن ما تنشره فيه روح المهنية، لذلك أرى أنها موضة ستزول عندما يصل غيرها، لأنها لم تتأصل على ضرورة، فالأزياء والمعروضات ليست إلا رفاهية، ولا تكون الخبيرة في تلك الأمور إلا المستهلكة القديرة أساساً.

أسعدني معرض أقيم في أرض المعارض واستضاف مئات الكويتيات رائدات المشاريع الجادة من ملابس، وعطور، ومأكولات، وفنون، حيث أثلجن الصدور بمدى حماستهن من غير تبرج أو "استعراض". فكل واحدة كانت تروج منتجاتها من غير استعراض لخَلقها فوجدت من يشجع خُلقها، مثل الكويتية التي رفضت تصويرها رغم ملابسها غير المتبرجة، والتي قالت حينما سألناها عن كلمتها لكل كويتية: "ينبغي أن تكون عندكِ الرغبة في تطوير ذاتك"... فهذه الصادقة قصدت تنشيط نفسها، وإمتاعها بروح العمل لا خلق عذر للتبرج. أما ظاهرة الفاشينيستا ذات الطبيعة المبتذلة، فليس لها بقاء إلا بانتباهنا إليها، فخُلق التسويق عبر الإغراء لم نقبله حتى في الجاهلية، ومن المستحيل أن نرضاه وقد تمت مكارم أخلاقنا.