فيلم «مورين» الذي يُعرض راهناً في صالات السينما في أنحاء لبنان، علامة مضيئة في مسيرة السينما اللبنانية. لا تكمن أهميته في كونه يتمتع بإنتاج ضخم فحسب، بل في مجمل عناصره التي تكاملت معاً بحيث لا يجد المتفرج ثغرة في الفيلم ولو بسيطة. وهذا أمر يحسب لفريق العمل من منتجين ومخرج وممثلين.

مورين القديسة المتنكرة، أول فيلم تاريخي لبناني، إنتاج الأكاديمية اللبنانية للسينما LFA، وتوزيع سليم رميا وشركاه Grand Cinemas، يتمحور حول قصة حقيقية من العهد البيزنطي، غريبة ومؤثرة بطلتها فتاة لبنانية تحدّت ذاتها والمجتمع، فتنكرت وتورّطت ودفعت الثمن غالياً.

Ad

{مورين} كتابة وإخراج طوني فرج الله، بطولة كارمن بصيبص، ومنير معاصري، وحسن فرحات، وغسان مسعود، وتقلا شمعون فرج الله، ومنير كسرواني، وأويس مخللاتي، وللمرة الأولى الطفلة كلويه ناجي نهرا، ونخبة من كبار الممثلين اللبنانيين.

التقط الفيلم اللحظة التاريخية، وجسّدها بأبعادها الإنسانية والروحية والاجتماعية، وهو وإن صوّر مسيرة فتاة نحو القداسة، إلا أن الشخصيات فيه حافظت على طابعها الإنساني، بعيداً عن أي صورة للكمال أو المثال، فهي تفرح وتبكي وتحقد وتغار وتدبّر المكائد، وتظلم... من دون أن يفرق الفيلم بين رجل دين وشخص عادي، ومن قال إن رجل الدين لا مشاعر متناقضة لديه؟

طابع القرون الوسطى

استغرق العمل على الفيلم حوالي ثلاث سنوات، وقد عمد المخرج طوني فرج الله إلى بناء قرية بأكملها على شاطئ البحر حيث ولدت مورين وترعرعت وكبرت يغلب عليها طابع القرون الوسطى لتصوير الفيلم فيها، وحرص على استخدام الأدوات التي تعود إلى تلك الفترة، ولم ينسَ بالطبع أن القرى اللبنانية على الشاطئ كانت تعتاش من صناعة الفخار وصيد السمك، فركز على كل تفصيل من شانه أن يوحي بتلك الفترة الزمنية، من ماكياج وملابس التي غلبت عليها الألوان الترابية.

الحوار بين شخصيات الفيلم يدور في فلك القصة، فلا مط فيه ولا تطويل ولا ملل، بل عبارة نافذة وواضحة تخدم الجو العام وتضع المشاهد في أجواء الفيلم حتى ليخال نفسه أنه يعيش فعلا في العصر البيزنطي.

السمة البارزة في الفيلم أن جامعات لبنانية شاركت في إنتاجه، نظراً إلى أهمية القصة وحرصاً على إخراج الفيلم بطريقة تليق بالقديسة مورين وبجمهور السينما في لبنان.

قصة شائكة

مورين فتاة لبنانية توفيت والدتها أثناء ولادتها، وترك والدها المنزل وهام على وجهه حزناً على زوجته، فبقيت الطفلة مع جدها رجل دين مسيحي، وتشرّبت منه مبادئ الإيمان ونمت على حب القيم والمبادئ، وكانت تساعده في الرتب الدينية، وخفق قلبها للحب لكن سرعان ما تحول هذا الحب إلى الله بعدما لمست وشاهدت خيانة الشاب لها مع فتاة من القرية.

بعد وفاة جدها، يعود والدها إلى القرية، فيراها وقد أمست فتاة شابة، وتراه هي رجل دين دخل أحد الأديار وترهب بعدما ضاع طويلا في البراري، فتفصح له رغبتها في الدخول إلى بيت الله وخدمته، وبما أنه لا يسمح لفتاة بأن تقطن الدير تتنكر بزي شاب وتعيش بين الرهبان فترة على أنها شاب، إلى أن تتهم زوراً بالزنا ولا تستطيع الدفاع عن نفسها خشية افتضاح أمرها، فتقر بأنها ارتكبت هذه المعصية مع أنها براء منها. عندئذ رذلها رهبان الدير فهامت على وجهها مع الطفل إلى أن أشفق الرهبان عليها وأعادوها واطلعوا على حقيقة شخصيتها. بقيت مورين في الدير مع الطفل إلى أن توفيت ودفنت فيه، لكن الصليبيين نقلوا الجثمان إلى إيطاليا، وتستعد الكنيسة اليوم لاستعادته ودفنه في الدير الذي عاشت فيه.

دراما تصاعدية

نجح الفيلم في جعل الأحداث تسير تصاعدياً بشكل درامي مؤثر، ويعود ذلك إلى أن كلا من الشخصيات في الفيلم أعطى دوره كل ما يستحق من أبعاد فأجادوا، حتى الأطفال أتقنوا دورهم وإذا بالجو العام في الفيلم عبارة عن لحظات درامية كل مشهد فيها ينبئ بما سيليه من مشاهد بشكل مترابط وتسلسل زمني لا سرعة فيه ولا تسرع، بل سلاسة متناهية في عرض القصة التي لا تخلو من لمحات رومانسية جميلة.