خرجت الدبلوماسية الصينية لاعباً أقوى من مجلس الشعب الصيني هذه السنة، فقد انتهى المطاف بالصين إلى اختيار خمسة مسؤولين رفيعي الشأن على الأقل لتولي سياسة الصين الخارجية، كذلك حظيت وزارة الخارجية، التي كانت مهمشة سابقاً، بدعم من خلال تعزيز ميزانيتها، وتبديل قيادتها، وإصلاحات بنيوية يُحكى عنها، وستتولى راهناً وكالة التعاون التنموي الدولي الحكومية المُنشأة حديثاً تنسيق ميزانية الصين المتنامية المخصصة للمساعدات الخارجية.

سيتولى إدارة السياسة الخارجية الصينية بعضُ دبلوماسيي الصين الأكثر نفوذاً وخبرةً، صحيح أن وزير الخارجية وانغ يي احتفظ بمنصبه، إلا أنه رُقي أيضاً خلال مجلس الشعب الصيني هذه السنة إلى مركز مستشار الدولة للشؤون الخارجية (بدل يانغ جيتشي)، ولا شك أن هذا يشكّل دعماً كبيراً لسلطته، بما أن مستشار الدولة يُعتبر أعلى مكانة من وزير الخارجية، ومن المتوقع أن يؤدي حصر هذين المنصبين بشخص وانغ يي إلى عملية اتخاذ قرارات أكثر فاعلية في مجال السياسة الخارجية.

Ad

شملت التغييرات المهمة في المناصب أيضاً تأكيد تعيين حليف شي جين بينغ وانغ كيشان نائباً للرئيس، ومن المتوقع في خطوة غير اعتيادية، أن يزوَّد كيشان بحقيبة خارجية مع التركيز خصوصاً على العلاقات مع الولايات المتحدة. كذلك يُعتبر عضوَا اللجنة الدائمة التابعة للمكتب السياسي المركزي في الحزب الشيوعي وانغ يانغ ووانغ هانينغ مستشارين مهمين لتشي في مجال السياسة الخارجية، فضلاً عن مستشار الدولة السابق يانغ جيتشي الذي ما زال عضواً في المكتب السياسي المركزي في الحزب الشيوعي، مع أنه لم ينل على ما يبدو أي منصب للسنوات الخمس المقبلة، وهكذا سيتشاطر الحزب والدولة مسؤولية السياسة الخارجية الصينية كاملةً.

باستغلالها الفراغ الذي خلفته الولايات المتحدة، تبدو بكين عاقدة العزم على تخصيص مبالغ أكبر لبصمتها العالمية. صحيح أن ميزانية الشؤون الخارجية ما زالت ضئيلةً مقارنة بميزانية الصين الدفاعية، إلا أن ميزانية العمل الدبلوماسية لعام 2018 التي عُرضت خطوطها العريضة في مجلس الشعب الصيني هذه السنة تعكس زيادة ضخمة، مقارنةً بالسنوات الماضية.

من الصعب المقارنة بين ميزانتَي الشؤون الخارجية الأميركية والصينية، وخصوصاً أن الصين تفتقر إلى موازنة مجزأة، فضلاً عن أنها تتبع أساليب محاسبة مختلفة، لكن الجلي أن الصين تمنح دبلوماسييها سلطة أكبر، فيما تعمل الولايات المتحدة على الحد من فاعلية وزارة خارجيتها، ولا شك أن ميزانية بكين التي تبلغ 60.07 مليار رنمينبي (9.49 مليارات دولار، أي بزيادة 15.6% مقارنة بعام 2017 ونحو 40% مقارنة بموازنة عام 2013، التي كانت أول موازنة تقترحها إدارة شي) تشكّل نقيضاً واضحاً لطلب الموازنة الفدرالية لعام 2018 الذي قدّمه ترامب والذي خصص 28.2 مليار دولار فقط لوزارة الخارجية والبرامج الدولية الأخرى، علماً أن هذا المبلغ يشكّل 29.1% فقط من موازنة عام 2017.

في خطوة أخرى تعزز جهاز سياستها الخارجية، تشير بعض التقارير إلى أن بكين أطلقت إصلاحات بنيوية ستمنح وزارة الخارجية سلطة أكبر في القرارات المرتبطة بموظفي السفارات، ولا شك أن هذه الإصلاحات، إذا طُبّقت، ستشكّل مكسباً كبيراً لدبلوماسيي الصين، بما أن هذه الوزارة ما كانت تتمتع حتى وقت ليس ببعيد بأي سلطة على الموظفين الذين تُرسلهم وزارات وهيئات أخرى إلى السفارات الصينية.

يبقى الاستثناء الوحيد في عملية تعزيز مسؤوليات وزارة الخارجية إنشاء وكالة جديدة للمساعدات الخارجية سلبت هذه الوزارة ووزارة التجارة جزءاً من مهامهما، لكن تشكيل الصين مؤسسة تُعنى خصوصاً بضبط الأموال المخصصة لبرامج المساعدات الدولية وتوزيعها يُبرز الأهمية الكبرى التي توليها قيادة شي لتعزيز مصالحها الأمنية الدولية من خلال وسائل اقتصادية.

تشير عملية التغيير الجذري التي شهدها جهاز السياسة الخارجية الصيني وما نجم عنها من تعزيز البنية الدبلوماسية إلى أن القيادة الصينية ستواصل على الأرجح السعي لتحقيق أولويات شي في مجال السياسة الخارجية وهدفه تحويل الصين إلى قوة عظمى بحلول عام 2049. لذلك ستكون الصين خلال السنوات الخمس التالية أكثر بروزاً وتفاعلاً في الخارج من خلال المبادرات الدبلوماسية والأموال النقدية على حد سواء.

* هيلينا ليغاردا

*«ذي ديبلومات»