مكافحة الفساد السياسي المؤسسي لا تنجح ما لم يكن هناك إصلاح سياسي- ديمقرطي من أجل حكم صالح ورشيد، وهو الأمر الذي ينبغي أن يحظى باهتمام بالغ من جميع العناصر والقوى الحيّة في المجتمع، ليس لأن ترتيب الكويت في تقرير مؤشرات الفساد الصادر عن منظمة الشفافية الدولية تراجع 10 مراكز عام 2017 مقارنة بالأعوام السابقة فحسب، بل لأنه، وبكل بساطة، لا تنمية إنسانية مستدامة ولا إصلاحات جذرية في أي قطاع مع وجود الفساد السياسي المؤسسي، والأخطر من ذلك أن الفساد السياسي يؤدي إلى تآكل الدولة وفشلها، وتدمير بنية المجتمع، وخلق ثقافة فساد وقيم فاسدة تؤثر في سلوكيات الأفراد وتصرفاتهم، كما ذكرنا في المقال السابق.

وعلى الرغم من أن مظاهر الفساد السياسي كثيرة ومتنوعة يلمسها الناس في حياتهم اليومية فإن مافيا الفساد تثير البلبلة والشكوك حول وجود الفساد السياسي المؤسسي؛ زاعمة أن ما يحصل ليس سِوى مخالفات عادية تحصل في كل مكان في العالم، وهو ما تدحضه مؤشرات مدركات الفساد الصادرة عن منظمة الشفافية العالمية، إذ إنها تُشير إلى: "التصورات فيما يتعلق بمدى انتشار الفساد في القطاع العام، أي الفساد الإداري والسياسي في الدول التي شملها المؤشر، والذي ينطوي تحديداً على فساد المسؤولين وموظفي الخدمة العامة وفساد السياسيين، وهو بمنزلة تحذير من إساءة استخدام السلطة والتعاملات السرية والرشوة، وهي مشكلات مستمرة في تخريب المجتمعات في شتى أنحاء العالم، علماً أن منظمة الشفافية الدولية تُوجّه 16 سؤالاً دقيقاً وموضوعياً قبل إعداد تقريرها".

Ad

(القبس 24 فبراير 2018).

ومع هذا لنضع تقرير منظمة الشفافية الدولية حول مؤشرات مدركات الفساد جانباً، ولنتذكر بعض قضايا الفساد السياسي المنشورة تفاصيلها في وسائل الإعلام، ومن ضمنها الرشا السياسية أو فضيحة "الإيداعات والتحويلات المليونية" والمتهم فيها رئيس الحكومة السابق وعدد من أعضاء المجلس آنذاك، علماً أن القضية حُفظت نتيجة نقص في التشريعات، فضلاً عن الرشوة السياسية أو "الشيك" الذي كشف عنه النقاب النائب السابق د. فيصل المسلم أثناء جلسة علنية للمجلس.

ولنتذكر أيضاً التصريح السابق لرئيس الوزراء الذي ذكر فيه أن معظم "قيادات" الأجهزة الحكومية تبوءوا مناصبهم عن طريق الواسطة لا نتيجة الكفاءة والجدارة، ثم لنعرج قليلاً على تصريح وزير البلدية الأسبق ونائب رئيس المجلس الحالي عيسى الكندري، عندما قال "إن الرشوة والفساد تفشيا في البلدية".

(القبس 27 إبريل 2015).

وفي السياق ذاته دعونا لا ننسى البلاغ الذي تقدم به العضو السابق عبدالله الطريجي إلى هيئة مكافحة الفساد والذي احتوى على أسماء 20 عضواً حالياً وسابقاً تضخمت حساباتهم أثناء عضويتهم في المجلس و"لديهم تداولات مالية لا تقل عن مئة مليون دينار".

(القبس 11 فبراير 2018).

ولكن مهلاً، فلقد كفانا العضو راكان النصف عناء التذكير بمواضيع الفساد السياسي، حيث أكد في مؤتمره الصحافي الذي عقده يوم الاثنين الماضي (ومن دون دخولنا طرفاً، بأي شكل من الأشكال، في موضوع المؤتمر الصحافي) ما سبق أن أشار إليه الوزير الأسبق الشيخ أحمد العبدالله، إذ ذكر النصف أنه "برفع اليد يستطيع عضو المجلس الحصول على الأموال، أو بموقف من استجواب أو باستجواب، مع العلم أن من يدفع ليس السُلطة فقط، بل غيرها أيضاً". (انتهى التصريح).

والآن ماذا نُسمّي ما ذكره صراحة العضو النصف إن لم يكن فساداً في المنظومة السياسية؟!