في رثاء أمه، عبّر الشاعر خليل مطران عن فاجعته بفقد أمه، وإن كان في شعره عموماً يسترسل في الوصف، فإنه في الحديث عن أمه لم يستطع التعبير إلا ببيتين في عنوان «زفرة بعد الوالدة» ضمنهما كل ما يعتمل في نفسه من أسى: «وفدوا يسألونني كيف حالي/ لو دروا ما جواب هذا السؤال!/ ما حياتي بعد التي هي منها!/ ما كفاحي فيها وما آمالي؟

أما الشاعر جورج صيدح فرثى والدته بقصيدة زاخرة بوفاء وعرفان للجميل مما جاء فيها: «كسرت قلبي فمن يجبره/ إن تكن أمي التي تكسره/ لست أشكوها فشكواي جحود/ ولها في عنقي دين الوجود/ إن قلبي ليس بالقلب الحقود/ يلثم الكفّ التي تنحره/ كسرت قلبي فمن يجربه؟/ أتراها حملتني للحياة/ كي أقضيها على شوق الممات!/ نعمة الدنيا حنوّ الأمهات/ خاسر الآمال من يخسره/ كسرت قلبي فمن يجبره؟».

Ad

بتفجّع وبكاء رثا الشاعر فريد أبو فاضل الأم في مرثيته «أمي» وقال: «أمي حنان دافق نضبا!/ دنيا جمال بدرها غربا/ أمي افترار الفجر منبلجا/ أمي ابتسام الدهر إن غضبا/ كانت هي الدنيا وقد ذهبت/ لم يبقَ ذو بثّ وما انتحبا!/ الأرض دون الأم موحشة/ والعيش بعد الأم كم صعبا!/ ليل بلا صبح ولا فرج؟/ يحظى به المكلوم أو اربا/ يضنى جوى توقاً لرؤيتها/ هيهات أن يلقى الذي طلبا.

مزايا وتضحيات

لم يعتمد الشاعر شبلي الملاط إزاء فقدان والدته، الرثاء والبكاء، بل تناول تضحياتها لأجل أبنائها، ومما قال: «أشهى الأماني في سبيل رضاك/ لو أنني يا أم كنت فداك/ طوباك من مخلوقة معبودة/ برأ الحنان الله يوم براك/ والقصر إن لم تؤنسيه فإنه/ عندي بمنزلة الكئيب الباكي/ يا من ذكرتك جازعا، متنهدا!/ متألما وبكيت من ذكراك/ أفما ترين الهجر طال وإنني/ يا أم مشتاق إلى لقياك/ لا بد من يوم اللقا مهما يظل/ حبل النوى فسنلتقى وأراك».

في قصيدته «حضن الأم» تغنى الشاعر رشيد سليم المعلوف (الشاعر القروي) بالأم وتضحياتها في سبيل أبنائها وعطائها اللامحدود ومما قال: «لو عصفت رياح الهمّ عصفاً/ ولو قصفت رعود الموت قصفاً/ ففي أذني عند النزع صوت/ يحوّل لي عزيف الجن عزفا/ فيطربني، وذلك صوت أمي/ ولو هجمت على قلبي البلايا/ وهدت سمور أمالي الرزايا/ فإن بباب فردوسي ملاكا/ يسل السيف في وجه المنايا/ فيحرسني، وذلك طيف أمي»...

أيضاً تغنى الشاعر إيليا أبو ماضي بالأم ورسم لها أبهى صورة في شعره ومما قال: «قال أجل: اشرب سرّ التي/ بالروح تفديني وأفديها/ صورتها في القلب مطبوعة/ لا شيء حتى الموت يمحوها/ لا تترضاني رباه، ولا/ تلثمني كذبا وتمويها/ يضيع مالي ويزول الصبا/ وحبها باقٍ وحبيبها/ قد وهبتني روحها كلها/ ولم تخف إني أضحيها/ سرّ التي لا غادة بينكم/ مهما سمت في الحب نحكيها».

ونظم فيها الشاعر شفيق المعلوف أجمل القصائد وأرقها ومما قال: «شراع مدّ فوق الموج عنقا/ ورياح يزود خلف الأفق أفقا/ يقل فتى تبدى الشط جهما/ له فأشاح منه الوجه طلقا/ وغادر عند صخر الشط أما/ تذوب إليه نحنانا وشوقا/ فما نضبت لمقلتها دموع/ كان أمينها في البحر عرقا/ ترى الأمواج تدنيها رياح/ وتبعدها، وصخر الشط يبقى/ تمرّ بها السنون فما ببالي/ بما تلقى لغربته ويلقى/ تشقّ يداه قمصان الليالي/ ويكسو أمه منهن رشقا/ وهل قنعت بما يجنيه أم/ أبت إلاه عند الله رزقا/ ترى هل آب من سفر شراع/ ولم تشبعه تقبيلا ونشقا!».

جبران خليل جبران

في كتابه «الأجنحة المتكسرة» كتب جبران خليل جبران عن الأم، تلك التي كانت أول من آمنت بموهبته في الكتابة وشجعته على المضي بها وضحت بنفسها وحياتها في سبيل ابنائها ومما كتب: «إن أعذب ما تحدثه الشفاه البشرية هو لفظة «الأم»، وأجمل مناداة هي: يا أمي، كلمة صغيرة كبيرة مملوءة بالأمل والحب والانعطاف، وكل ما في القلب البشري من الرقة والحلاوة والعذوبة. الأم هي كل شيء في هذه الحياة، هي التعزية في الحزن، والرجاء في اليأس، والقوة في الضعف، هي ينبوع الحنو والرأفة والشفقة والغفران، فالذي يفقد أمه يفقد صدراً يسند إليه رأسه ويداً تباركه وعيناً تحرسه… كل شيء في الطبيعة يرمز ويتكلم عن الأمومة، فالشمس هي أم هذه الأرض ترضعها حرارتها وتحتضنها بنورها، ولا تغادرها عند المساء إلا بعد أن تنوّمها على نغمة أمواج البحر وترنيمة العصافير والسواقي، وهذه الأرض هي أم للأشجار والأزهار تلِدُها وتُرضعها ثم تَفطمها. والأشجار والأزهار تصير بدورها أمهات حنونات للأثمار الشهية والبزور الحية. وأم كل شيء في الكيان هي الروح الكلية الأزلية الأبدية المملوءة بالجمال والمحبة «.