كنت في أبو ظبي أشارك في أعمال المؤتمر السنوي لمركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، الذي عُقد تحت عنوان "التطورات الاستراتيجية العالمية: رؤية استشرافية"، في شهر مارس 2011، حين استمعت لأول مرة إلى عبارة "سلاح نووي خليجي".

لم يكن من قال هذه العبارة الخطيرة باحث أو محلل أجنبي، أو كاتب أو صحافي عربي، إنما قالها الأمير تركي الفيصل، الذي عمل سابقاً رئيساً للاستخبارات السعودية، وسفيراً لبلاده في اثنتين من أهم بلدان العالم... المملكة المتحدة، والولايات المتحدة.

Ad

وفيما كان عدد من البلدان العربية يتعرض لزلزال الانتفاضات، الذي أسقط نظامي مبارك وبن علي، في مصر وتونس، وراح يضرب دولاً أخرى بعنف، ويأخذها إلى حروب أهلية وانهيارات، تحدث الأمير السعودي قائلاً: "ما المانع من امتلاك قوة نووية تواجه القوة الإيرانية، إن فشلت الجهود في منع إيران من امتلاك سلاح نووي".

بعد نحو أربعة شهور من انعقاد هذا المؤتمر، بات من المؤكد أن العبارات التي قالها الأمير تركي آنذاك لم تكن مجرد مقاربات تحليلية، تستعرض سيناريوهات متوقعة، ضمن مؤتمر علمي؛ إذ ذكرت يومية "الغارديان" البريطانية، في شهر يوليو 2011، أن الأمير تركي زار قاعدة "مولسوورث" التابعة لحلف شمال الأطلسي، والتي ينحصر نشاطها في متابعة الوضع في حوض البحر المتوسط والشرق الأوسط، وأبلغ مجموعة من المسؤولين الأميركيين والبريطانيين أن بلاده "لن تقف مكتوفة الأيدي إذا تمكنت إيران من امتلاك سلاح نووي، وستسعى الرياض بدورها في ذلك الحين إلى الحصول على أسلحة نووية".

وعاد الأمير نفسه إلى الحديث عن "ضرورة امتلاك المعرفة النووية لإيجاد توازن في منطقة الشرق الأوسط، في ضوء سعي إيران لامتلاك سلاح نووي"، في مؤتمر أمني عُقد بالعاصمة البحرينية، في أبريل من عام 2014.

لم يكن الأمير تركي قادراً على طرح هذا الاحتمال، والإلحاح عليه، في أكثر من منبر دولي، من دون أن يكون هذا الأمر مطروحاً في الرياض بقوة.

إن امتلاك سلاح نووي خيار سعودي مطروح إذاً، وهو وإن كان مرهوناً بقدرة المجتمع الدولي على الحد من الطموح الإيراني لامتلاك قوة نووية عسكرية، فإنه، في الوقت ذاته، يعكس إرادة وسياسة قابلة للتنفيذ.

لقد تأكد هذا الطرح نهاية الأسبوع الماضي، حين نشرت محطة "سي بي إس نيوز" الأميركية مقتطفات من مقابلة أجرتها مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، عبر برنامجها الشهير "60 دقيقة"، حيث قال: "المملكة لا تريد الحصول على أي قنبلة نووية، لكن من دون شك إذا طورت إيران قنبلة نووية، فسنفعل الشيء نفسه، في أقرب وقت".

فإذا كان طرح الأمير تركي، الذي جاء مبكراً في 2011، صدر عن مسؤول سابق، يمكن أن يتوارى خلف صفة بحثية أو تحليلية، فإن ما أعلنه ولي العهد السعودي، قبل أيام، يجسد إعلاناً رسمياً، يغير قواعد اللعبة النووية في الإقليم والعالم، ويجبر القوى الدولية المعنية بالملف النووي الإيراني على إجراء تغيير عميق في حساباتها.

ماذا كان يقصد الأمير محمد حين قال إن بلاده "ستفعل الشيء نفسه في أقرب وقت"؟، وهل يمكن تطوير سلاح نووي في وقت قريب؟

نحن نعرف أن مسألة تطوير سلاح نووي عملية معقدة، تحتاج وقتاً طويلاً، وجهوداً ضخمة، كما أنها عملية محفوفة بالمخاطر، لأن دولاً في الإقليم والعالم ستسعى، من دون شك، لإحباطها، تذرعاً بالمعاهدات الدولية والاتفاقيات، وحسابات التوازن الاستراتيجي.

لقد وافقت الحكومة السعودية يوم الثلاثاء الماضي على سياسة وطنية لبرنامج الطاقة الذرية؛ وهي السياسة التي تنص على "حصر جميع الأنشطة التطويرية على الأغراض السلمية في حدود الأطر والحقوق التي أقرتها التشريعات والمعاهدات والاتفاقيات الدولية، مع الالتزام التام بمبدأ الشفافية في الجوانب التنظيمية والتشغيلية".

يعني هذا أن الحكومة السعودية تريد أن تظهر أكبر قدر من الامتثال للمعايير الدولية والاستحقاقات التعاهدية التي تنظم استخدام المعرفة النووية، بشكل يبقيها شفافة وآمنة، وبعيدة عن الاستخدامات ذات الطابع الحربي.

ومع ذلك فإن ثمة طريقاً آخر لامتلاك القدرة النووية العسكرية، وهو طريق كان قد ألمح له عاموس يادلين، الرئيس السابق للاستخبارت العسكرية الإسرائيلية، أمام مؤتمر في السويد، في 2013، حين قال: "في حال حصول إيران على قنبلة نووية، فإن السعوديين لن ينتظروا شهراً واحداً، لقد دفعوا ثمن القنبلة بالفعل، سيذهبون إلى باكستان ويحصلون على ما يريدون".

لا يمكن التشكيك في جدية الطرح السعودي لأسباب عديدة؛ أولها أنه صدر عن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي برهن، في مفاصل عديدة بوضوح، على فاعلية وثبات وهمة في إنفاذ سياساته وتفعيل رؤاه، وثانيها أن طرح الأمير تركي الفيصل منذ عام 2011 قد مهد له وشرحه باستفاضة، بشكل يوضح أنه لم يكن وليد اللحظة أو عفو الخاطر، وثالثها أن الولايات المتحدة، في ظل إدارة ترامب، تظهر تشدداً وصرامة إزاء الاتفاق النووي الذي تم عقده مع إيران في 2015، وتؤكد أنه لا يخدم المصلحة الأميركية، وأنه قد يؤدي إلى امتلاك إيران للسلاح النووي.

أما رابع تلك الأسباب فيتضح في السلوك الاستعلائي الإيراني، والحرص البادي في خطاب قادة النظام في طهران على إظهار الهيمنة على عدد من بلدان المنطقة، والرغبة في التوسع، على حساب أمن الدول العربية واستقرارها.

في فبراير الماضي، ومن دون سابق إنذار، خرج مسؤول إيراني عبر الإعلام ليقول: "إن طهران هي من أعدمت صدام حسين، وهي الآن تسيطر على خمس دول عربية، وبمقدورها أن تعلن عودة الإمبراطورية الفارسية".

لا جديد في ذلك الخطاب الاستعلائي؛ ففي عام 2015، صرح علي يونسي، مستشار الرئيس الإيراني حسن روحاني، بأن "إيران اليوم أصبحت إمبراطورية كما كانت دوماً عبر التاريخ، وعاصمة تلك الإمبراطورية ليست سوى بغداد".

بسبب هذه السياسات الاستعلائية، والغموض النووي الإيراني، والتهديد المباشر للأمن الخليجي والعربي، تلوح السعودية بالخيار النووي.

* كاتب مصري