لقد استفادت إسرائيل من التقدم الغربي العلمي والاقتصادي والسياسي، وفي المقابل لم يستفد العرب من ذلك التقدم على الرغم من أن الحداثة قد دخلت الوطن العربي قبل وجود إسرائيل بقرن ونصف القرن، وظل العرب يرددون بعد قيام إسرائيل بأنها صنيعة الغرب، وأنها دويلة في بحر عربي ستنتهي آجلاً أم عاجلاً! ولم يتعاملوا معها واقعياً وعقلانياً لأن العقلانية لم تكن حتى اليوم منهجاً ونهجاً للعرب في تاريخهم الحديث والمعاصر.

والفرق بين العرب وإسرائيل أنها تفكر استراتيجياً وتطبق عملياً سياسات وتبني وقائع على أساس علمي مدروس، والعرب يعيشون الماضي في الحاضر، ولا يستفيدون من تجاربه وتجارب الآخرين. لقد عاش العرب ولا يزالون في دوامة الصراع الداخلي، وهي من علامات التخلف، وما إن يخرجوا منها حتى يدخلوها ثانية، وحتى النخب المثقفة قد تم تدجينها، وظل العرب يعيشون الحالة الماضوية في إطار رد الفعل الذي لا يرقى إلى مستوى الفعل الإيجابي في الوقت الذي يسير فيه عدوهم بالعقل والعلم إلى الفعل الإيجابي، وفي إطار وفكر استراتيجي يعرف ما يريد في الحاضر والمستقبل.

Ad

ففي الوقت الذي يغرق العرب في دوامة التخلف ويرجعون خطوات إلى الوراء يتقدم عدوهم خطوات إلى الأمام، وهم دخلوا نفقاً مظلماً يعودون فيه إلى نقطة الصفر باستمرار، فتمكنوا من تحجيم وتقزيم أنفسهم قبل أن يفعل عدوهم بهم ذلك، وعندما تحاول نخبة منهم النهوض تكون لديهم القدرة على صناعة التخلف وتصديره، ويظهر بعضهم أن لديه تقدماً ظاهرياً وهو ليس كذلك، حتى أصبح ذلك التخلف عبئاً وثقلاً لا يستطيعون التخلص منه في وقت يجري التطور سريعاً من حولهم، ويبقى السؤال: ما أسباب التخلف وكيف يمكن الخروج منه؟ ويبقى الحوار، إن وجد في ذلك الإطار الجدلي، أنهم حتى لو تمكنوا من الإجابة فلن يستطيعوا بناء خطوات عملية وعقلانية على طريق الحل.

الآن إسرائيل هي العقبة الكبرى أمام العرب فكيف التعامل معها؟ لا بد من تغيير فكرنا، ويبدو أن الذين يبحثون عن تجديد الفكر العربي يدورون في فلك الفكر التقليدي وهذه هي المشكلة! فالمواجهة فكرياً أولاً.

هناك فرق كبير بين من يفكر استراتيجياً، ويطبق ذلك عملياً وتلك هي إسرائيل، وبين من يعيش غارقاً في ردود الفعل، والصراع الداخلي وذلكم هم العرب! لقد اعتمدت إسرائيل في تاريخها على عدة عوامل أساسية هي: الدعم البريطاني منذ وعد بلفور عام 1917م حتى قيام إسرائيل 1948م، ثم مع غروب شمس بريطانيا بعد الحرب العالمية الثانية تولت أميركا دعم إسرائيل بعد قيام الكيان حتى يومنا هذا، وقد شمل ذلك الدعم الجوانب السياسية والاقتصادية والعسكرية ولا مجال لشرح ذلك الدعم والتدليل عليه هنا، إذ كان الدعم الأميركي يعتمد على عاملين: اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، ومصالح أميركا في الشرق الأوسط خصوصا في العالم العربي، فاللوبي الصهيوني يملك الإمكانات الاقتصادية والتأثير السياسي في مؤسسات صناعية القرار في أميركا، وأصحاب نظرية المؤامرة ينصحوننا بتجاوزها، وهم بذلك يساعدون الأميركيين في دعم إسرائيل، ثم يأتي عامل مهم هو قوة إسرائيل الذاتية، فمع توافر العوامل الأخرى بدأت إسرائيل ببناء قوتها، خصوصا بعد حربي 1967 و1973، العلمية والاقتصادية والعسكرية، وهناك عامل مهم أدى ومازال يؤدي دوراً في قوة إسرائيل هو ضعف العرب وصراعهم الاثني الداخلي، والذي تعمل إسرائيل والولايات المتحدة على استمراره في الوقت الذي لا يسعى العرب إلى تقوية أقطارهم، وتعضيد الكيانات الوحدوية لديهم.

وقد دخلوا الحروب الأهلية الداخلية وأوضاعهم في انحدار باستمرار، فقد كانوا في العقود الماضية أقوى وأفضل، ودوامة الانحدار لا نهاية لها على الرغم من الإمكانات الاقتصادية والبشرية وأهمية الموقع لديهم، وإذا استمرت الحال على ما هي عليه عربياً فستقوم إسرائيل الكبرى على حساب العرب في الشرق الأوسط، ويتشتت العرب إلى كيانات صغيرة تعود بهم إلى مرحلة القبلية الفائتة واستمرار صراعها.