كتب الصحافي السوداني محمد عبدالرحيم في "الجريدة" السودانية بتاريخ 12 مارس الجاري النص التالي تحت عنوان "دا كلام دا":

"الـ "بدون"، وما أدراك ما الـ "بدون"؟، حكاية جديدة من حكايات زمن الوضاعة والانحطاط… فنحن لا نعرف - ولا نريد أن نعرف - لماذا تحجم الحكومة الكويتية عن منح منتسبيها من فئة "البدون" الهوية الكويتية... فذلك أمر كويتي لا شأن لنا به... ولكن أن تفكر الحكومة الكويتية - مجرد تفكير - في منحهم الجنسية والجواز السودانيين لتيسير وتقنين إقامتهم داخل دولتهم (الكويت)، فذلك أمر يدعو إلى العجب!

Ad

فبينما تتردد الكويت ألف مرة قبل منح السودانيين تأشيرة لدخول أراضيها، فهي لا تتردد في منح منسوبيها الجواز السوداني (الهامل)، ليتمكنوا من العيش بسلام داخل الكويت! بالله عليكم، دا كلام دا؟".

انتهى النص بنقاطه وعلامات تعجبه واستفهاماته، أما الكلام الكويتي عنه فهو ليس إلا "كلام ساكت"، على حد التعبير السوداني، و"مأخوذ خيره" بالتعبير الكويتي.

هناك إصرار غريب وغرور أغرب، أن حل مشكلة البدون موجود لدينا، بل ومتأكدون من وجوده، مع أنه ليس لدينا إلا "سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءً". نحن أمام مأساة إنسانية وطنية، بحاجة إلى تواضع وإدراك لأبعادها الإنسانية، لكي نحلها بطريقة مشرفة تخدم الكويت وتعلي من قيمتها الإنسانية، وفي الوقت ذاته تحفظ كرامات الناس كما تحفظ أمن البلد. إلا أن الحكومة وعنادها لا يبدو أنها مستعجلة، ولا يبدو أنها تستشعر حجم الدمار الذي يحدثه التأخير على البدون وعلى البلد سواء بسواء.

في مسألة البدون، لك أن تراهن على كل شيء إلا الزمن، فمرور الزمن يزيدها تعقيداً ويحولها إلى كوميديا سوداء. ولأن الحل طويل، فقد اكتشف مسؤولونا أنه يكمن في تغيير اسم المشكلة بين فترة وأخرى، وهكذا كان. فمن بادية، إلى بدون، إلى غير كويتي، إلى غير محدد الجنسية، إلى مقيم بصورة غير قانونية، ولا نعرف ماذا ستكون التسمية الجديدة.

وفي إطار هذه الدراما العبثية، ظهرت لنا فئة أخرى هي "بدون البدون"، الذين حصلوا على جوازات مزورة أو شبه مزورة بعلم وطلب من الحكومة وبتواطئها، ووضعت لهم إقامة صالحة لعدة سنوات، وبعد انتهاء صلاحية تلك الجوازات ورفض الدول المعنية تجديدها، صار ذلك البدون المسكين الذي صدّق الحكومة وتعاون معها، يقضي أيامه بين حجز وحبس بحجة أنه مخالف للإقامة. وهكذا بدلاً من حل المشكلة نتفنن في تعقيدها وخلق مشكلات جديدة، وكأن أولئك البدون محطات تجارب وليسوا بشراً وليست لهم كرامات وليسوا أبناء الكويت.

وهكذا صرنا نسوح بين البلاد بحثاً عن جوازات للبدون، فتارة جزر القمر، وتارة ليبيريا، وتارة أخرى بوليفيا، أو دومينيكان أو بلاد أخرى لا نعرف اسمها، وكان آخرها الحديث عن جوازات سودانية. الغريب في الأمر أنه كالعادة في الأمور المهمة، لم يصدر حول الموضوع أي توضيح، لتقفز علامات استفهام مشابهة للتي تقافزت في جوازات جزر القمر.

في المقابل، نفى وزير الداخلية السوداني نفياً قاطعاً وجود أي اتفاق مع حكومة الكويت حول الموضوع. فيا ترى مع من اتفقت حكومة الكويت؟ أم أنها لم تتفق مع أحد أصلاً؟ هل نتوقع تأكيداً أو نفياً من صاحبة الجلالة ملكة بريطانيا أو ملك أورورا مثلاً؟