قبل فترة جرى لقاء، في ضاحية بيروت الجنوبية بين زعيم حزب الله اللبناني، المقاتل في فيلق طهران، حسن نصرالله، وبين الأمين العام للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين نايف حواتمة، قال البيان "الرسمي" إنه استمر ست ساعات! وحقيقة إن المعروف عن "الرفيق" أبوخالد أنه عندما يلتقط طرف "المداخلة" في ساعات المساء لا ينتهي إلا بعد صياح الديكة صباحاً، فهو صاحب مخزون هائل من المعلومات، ويمتلك تجربة سياسية طويلة عندما كان أحد القادة الأساسيين والرئيسيين في حركة القوميين العرب، وأصبح أميناً عاماً للجبهة الديمقراطية.

ربما أمر عادي أن يتحدث "أبوالنوف" ليس لست ساعات وإنما لعشرين ساعة متواصلة، كما كان يحدث خلال المرحلة البيروتية، وخلال انعقاد المجالس الوطنية، وأشهرها مؤتمر الجزائر الشهير في عام 1988، صاحب الاعتراف بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 242، وقيام الدولة الفلسطينية المنشودة على هذا الأساس، أما أن يكون الاجتماع المعني بينه وبين حسن نصرالله، وفي ضاحية بيروت الجنوبية، وفي هذه الظروف وهذه الأوضاع، فإن في هذا "ألْف إنَّ... وإنَّ".

Ad

والالتباس الذي يدعو للتساؤل و"الاستعجاب" هنا هو: ما الذي دار يا ترى بين رفيقنا "أبوالنوف"، وبين حسن نصرالله الذي لا يجمعه أي هم مشترك بهذا القائد الفلسطيني الذي تخوله تجربته الطويلة والغنية أن يواصل الكلام لأسبوع كامل، ولكن مع من يشاركه الهموم الفلسطينية الكثيرة، وليس مع من لا همّ له إلا تحقيق هدف الهلال المذهبي الإيراني، وإقناع العرب والعجم بكذبة "الممانعة والمقاومة".

نحن نعرف أنَّ أوضاع الفلسطينيين في لبنان تفرض على القيادات الفلسطينية أن تحرص على رؤية حسن نصرالله، عندما تمر ببيروت لأسباب تنظيمية أو لأغراض سياسية مع غيره... لكن ست ساعات من الكلام المتواصل بين اثنين فقط وفي ضاحية بيروت الجنوبية يعني إما أن أحد هذين الاثنين ليس لديه إلا هموماً يبثها للآخر، أو أن هناك أمراً "خفياً" تم إشباعه بحثاً، وهذا مستبعد جداً عندما نعرف أن لكل واحد من هذين الاثنين همومه المختلفة عن هموم الآخر.

ثم إن "الرفيق" نايف حواتمة ليست له علاقة لا من قريب ولا من بعيد بالممانعة والمقاومة، إذ إنه هو أول من "نظَّر" وبطريقته الإقناعية المعروفة للحلول السلمية... ولعل غيري مازالوا أيضاً يذكرون ليلة "مُدرج" جامعة بيروت العربية التي استمرت منذ بدايات اختفاء شمس ذلك اليوم في مياه البحر الأبيض المتوسط، ولم تنته إلا مع إطلالة شمس اليوم الذي تلاه من فوق جبال وتلال لبنان الشرقية.

وعليه فإنني أعتقد جازماً أن الرفيق "أبوالنوف" لا علاقة له بتيار "الممانعة والمقاومة" هذا، فمكانه النضالي ومكان الجبهة الديمقراطية في فلسطين، حيث ترابط قيادة "فتح" كلها، وحيث يتخندق "أبومازن" بين أهله وشعبه، وحيث من المفترض أن "تغريبة بني هلال" قد انتهت، وأن رحلة المنافي لم تعد لها أي ضرورة، وخاصة أن أصحاب السلطة في إيران باتوا يفردون عباءتهم على المواقع الرئيسية لهذه المنافي!