غرَّدت قبل أيام بما يلي:

"نمرُّ بمرحلة مضطربة تشريعياً، فكلٌ من الحكومة والمعارضة يريدان تحجيم خصومهما، بتطويع القانون لأغراضهما. كلاهما يتغنَّى باستقلالية القضاء، وكلاهما يعمل على تقويض دور القضاء. ‏ذلك أخطر ما يمكن أن نمرَّ به.‏ فالأفراد ينفعلون، لكن الدولة وسلطاتها لا تنفعل. التشريعات الانفعالية دمار شامل يا سادة!".

Ad

سبب هذه التغريدة، أننا وجدنا الحكومة تتقدَّم بمشروع تعديل في القانون يهدف إلى تحصين نصوص عقوبات جرائم أمن الدولة، باعتبارها خطراً على النسيج الاجتماعي، وعلى كيان الدولة، وتسعى إلى تحقيق ذلك من خلال عزل السلطة التقديرية للقاضي حين ينظر بأوراق قضاياه، فيتم حبسه داخل مفردات نصوص القوانين، وعدم تمكينه من إعمال عقله وضميره لفهم مقاصد المشرِّع، واستنباط أحكامه من بواعث النصوص، بالإضافة طبعاً إلى مفرداتها، وهذا يُعد تدخلاً غاشماً في أحكام القضاء، من خلال الحجر على ضمائر وعقول القضاة، الذين هم بنص الدستور، لا سلطان عليهم في إصدار أحكامهم سوى ضمائرهم ونزاهة تقديراتهم وفهمهم لنصوص القوانين، وقراءتهم لظروف وقائع الجرائم كلها دون استثناء، وتبقى أحكام القضاء هي عناوين الحقائق، وليست أهواء الحكومة أو المجلس، باعتبارهما شريكين في سلطة التشريع.

من جانب آخر، فإننا تابعنا الاقتراح بقانون، المسمى "العفو العام"، والمطروح من خمسة من النواب المحترمين على مجلس الأمة، لإلغاء جميع الأحكام التي صدرت بقضايا سياسية شغلت الرأي العام طويلاً، واستأثرت باهتمام المجتمع والعالم الخارجي، بل كادت تفتك بوحدة المجتمع وتماسكه، وهما قضيتا خطاب "لن نسمح لك" و"اقتحام مجلس الأمة".

هاتان القضيتان دفع بسببهما عددٌ من المواطنين سنين وشهوراً من أعمارهم في السجون، تنفيذاً لأحكام صدرت عليهم، ليأتي اليوم تشريع جديد معتبراً أنهما، وما ارتبط بهما من تحقيقات وأحكام، ولحقهما من تبعات، كأن لم تكونا، بما يعني معه إلغاءً لما قرره القضاء من أحكام هي عناوين للحقائق في تلك القضايا، كما هو معلوم للجميع، وتصديعاً لثقة الناس بالقضاء حين يأتي المشرِّع ليغيِّر بنصوص العقوبات كلما سنحت له الفرصة في ذلك، وفق اقترابه أو ابتعاده من هذه القضية أو تلك، فيشددها حيناً، ويخففها حيناً آخر، أو يلغيها حيناً ثالثاً!

أقول ذلك وأنا لا آمل أن أرى سجيناً سياسياً واحداً، وأتمنى أن يُسدل الستار سريعاً على قضية اقتحام المجلس بأحكام تزيل الاحتقان، وتكتفي بما تم تنفيذه من عقوبات، وتأخذ بالاعتبار ملابسات وظروف الحدث في حينها قبل سبع سنوات، دون الإخلال بهيبة ورمزية المرافق والمباني العامة والمهمة، مثل مجلس الأمة ومجلس الوزراء ودور القضاء والحُكم، وبما لا يشجع مَن تسوِّل له نفسه باقتحامها من جديد في المستقبل، مهما كانت البواعث والأسباب.

إن استصغار القضاء، بتضييق مساحة حرية القاضي وهو يصدر أحكامه، أو بمحاولة طمس آثار أحكامه، هو عبث في نظري ينبغي العدول عنه، ويستحق أن نقول بشأنه: "إلا القضاء" وكفى.

***

همسة:

يغلفني وأنا أكتب مقالتي اليوم حزن مرور سنتين على فقد ابنتي، وعشر سنوات على فقد أحمد الربعي.

(لكندة) همس الأب لابنته.

ولأحمد همسي لضمير لم يغادر سمع وبصر الكويت، وبقاء أسئلته المعلقة الكبيرة.

رحمكما الله رحمة واسعة.