الدولة غير الحكومة، فهي ليست إلا جزءاً من الدولة. وأمن الدولة هو أمن أركانها الأربعة؛ الشعب والأرض والسيادة والحكومة، وليس أمن الأخيرة فقط.

وعندما يتحول أمن الدولة إلى أمن للحكومة، يصبح الأمن مبتسراً منحازاً وبعيداً عن العدالة، وتحدث الانتهاكات الجسيمة وغير الجسيمة بحجج الحفاظ على أمن الدولة، في حين أن المقصود هو أمن الحكومة.

Ad

في الدولة الحديثة يصبح الحفاظ على الأمن موكلاً للحكومة، بل لديها الحق والتفويض الدستوري بأن تحتكر استخدام وحيازة الأمن القسري وأجهزته لتأكيد السيادة داخلياً وخارجياً، وبطبيعة الحال يصبح تشكيل أجهزة أمنية مسلحة خاصة مخالفاً للقانون، وإلا صارت الدولة محكومة بميليشيات.

هذه الصلاحية الأمنية الواسعة للحكومة تأتي مشروطة ومقيدة بممارستها وفقاً للمعايير الدستورية، والتي تضع الأمن الإنساني بمعناه الشامل كأولوية، فإن قررت أن تجعل الأمن منظوراً حكومياً ابتعدت عن مفاهيم الدولة، وتحولت إلى احتكار للفئة أو الأشخاص الذين يديرون الحكومة فقط. وفي هذا انحراف عظيم عن مقاصد الدولة ومساعيها.

في دول الخراب واليباب والعذاب، لا يوجد هناك فارق يذكر بين أمن الدولة وأمن الحكومة. بل يصر جهابذة القمع على "إفهام" الناس، عموم الناس، و"إحاطتهم علماً" بأن الدولة والحكومة هما نفس الشيء، فأي مساس بالحكومة، يعد مساساً بالدولة.

وبالتالي من يمس الحكومة بالقول أو الإيماءة يصبح مصيره إلى "بحر الظلمات"، وبذلك فهم "شمموه الهوا" على رأي فريد شوقي، يرحمه الله.

وتنتقل المسألة إلى مأساة أكثر تعقيداً عندما يشارك نواب الأمة في حفلة الزار تلك، فكان أن تخيلوا يوماً ما أن مجلسهم حكومة، فأرادوا إصدار تشريع يجرم من يمس مجلسهم بالقول.

في البلاد المنطقية، لا تكون قوة السلطة مطلقة، ولا تخدم تلك السيادة الحكومة، ولكنها تستمد قوتها من درجة احترامها للشعب، وليس المقصود بذلك الاحترام، إلقاء تحية الصباح على ذلك الشعب، عبر الأخبار أو "تويتر"، بالقول: "صباح الخير يا شعبي العزيز" فحسب، ولكنها تعني عدم الاعتداء على ذلك الشعب بأي شكل من الأشكال، وبالذات من خلال القوانين التي تنتهك حقوقه الخاصة والعامة، ما ظهر منها وما بطن، سواء ما أعلن عنه وما لم يعلن.

بطبيعة الحال، تستطيع الحكومة أن تُدخل يدها في أحشاء الدولة وتفرغها من تكوينها، وتحيلها إلى حكومة، وهي في تلك الحالة تصبح شيئاً آخر، وهي حينها إنما تقوم بإلغاء الشعب بجرّة قلم تائه، بينما الحقيقة وواقع الحال أن "الأمة هي مصدر السلطات جميعاً"، الذي في محصلته يؤدي إلى استقرار الدولة وأمنها ونموها وسعادتها.