الحريات العامة والشخصية التي تطالب بها القوى المدنية والديمقراطية وتدافع عنها هي حماية للمكتسبات الدستورية وحقوق الإنسان والدولة المدنية، وليست، بأي حال من الأحوال، دعوة إلى التفسخ والانحلال والرذيلة والانحطاط الأخلاقي والفوضى، كما تُروّج عناصر وجماعات الإسلام السياسي والقوى المحافظة التي تريد فرض وصايتها على الناس، وتوفير حماية اجتماعية-سياسية لمواقف الحكومة السيئة من الحريات المدنية والشخصية.

إن الدفاع عن الحريات المدنية والشخصية لا يعني، إطلاقاً، الدعوة إلى الفوضى أو ترويج خطاب الكراهية البغيض أو حماية من يقومون بشتم الناس وسبّهم، بل على العكس من ذلك تماماً، فقوانين الدولة المدنية تُنظّم العلاقات بين الناس وتعاقب من يسيء إلى الآخرين أو إلى المجتمع.

Ad

وبالمناسبة فإن مصطلحات مثل التفسخ والانحلال والرذيلة والانحطاط والظواهر السلبية هي مصطلحات عامة وفضفاضة تحتاج إلى ضبط وتعريف دقيق كي لا يساء استخدامها على عموميتها من أجل تضليل الناس، حيث إن معناها يختلف باختلاف الزمان والمكان، ويختلف أيضاً من شخص إلى آخر بحسب المنطلقات الفكرية ومستوى التعليم والخبرة الحياتية.

بكلمات أخرى، فإن العادات والتقاليد والقيم الاجتماعية مُتغيّرة وغير ثابتة، فهي تختلف بحسب الزمان والمكان وتتطور مع تطور نمط الاقتصاد أو ما يسمى التشكيلة الاجتماعية-الاقتصادية، ففي خمسينيات وستينيات القرن المنقضي، على سبيل المثال، كانت النظرة الاجتماعية في مجتمعاتنا الخليجية تجاه عمل المرأة وتعليمها وقيادتها للسيارة متخلفة ورجعية، بل إن بعض القوى الدينية والاجتماعية المحافظة كانت تُحرّم عمل المرأة وتعليمها وقيادتها للسيارة، ولكن هذه النظرة الاجتماعية المتخلفة تطورت مع الزمن كما نرى حالياً، والشيء عينه ينطبق على النظرة الاجتماعية المتخلفة، في ذلك الوقت، للعمل الفني والصناعي، أو موقف الجماعات الدينية من مشاركة المرأة في الحياة السياسية قبل إقرار قانون حصولها على حقها الطبيعي في المشاركة السياسية عام 2005. وفي السياق ذاته، فإن جماعة (إخوان من طاع الله) الرجعية التي اُستخدمت سياسياً، آنذاك، وحاولت غزو الكويت عام 1920 فحصلت "معركة الجهراء" الشهيرة التي استشهد فيها نحو 150 كويتياً دفاعاً عن وطنهم ونمط حياتهم، كانت هذه الجماعة المُتخلّفة تزعم أن الكويتيين "مُتفسخون ومُنحلّون"، بل "كفّار" أيضاً لأنهم يدخنون السجائر، والرجال يخالطون النساء في الأماكن العامة، ولا يؤدون الصلوات بطريقة صحيحة حسب زعمهم!

كما أن تنظيم "داعش" وغيره من الجماعات الرجعية والتكفيرية عموماً لهم أيضاً تعريفهم الخاص الموغل في التخلف والرجعية لمصطلحات التفسخ والرذيلة والأخلاق السيئة، حيث إنهم، كما نرى جميعاً هذه الأيام، يريدون أن يفرضوا وصايتهم على الناس كي يحددوا لهم طريقة تفكيرهم ونمط حياتهم، وماذا يشربون ويأكلون ويلبسون ويقرؤون!

باختصار، الحريات العامة والشخصية في الدولة المدنية الديمقراطية مكفولة يُنظّمها القانون، وهذا لا يعني الفوضى أو الانحلال والرذيلة والتفسخ والأخلاق السيئة كما يزعمون، بل يعني، وبصريح العبارة، أنه لا أحد له الحق في فرض وصايته على الناس.